أبريل 14 2004

الإصلاح في العالم العربي يستدعي أن يُسمع المثقفون الحقيقيون أصواتهم

نشرت بواسطة الساعة 12:00 ص تحت فئة مقالاتي,اﻹعلام الناشط -

ليس الإصلاح قضية جديدة في العالم العربي, فقد طالب به الديموقراطيون العرب وناشطو حقوق الإنسان منذ سنوات. ومعظم هؤلاء المناضلين من أجل الديمقراطية تعرضوا للمضايقة أو السجن أو التعذيب أو اختفت آثارهم أو قتلوا مباشرة من قبل حكام عرب ديكتاتوريين, بل حتى من قبل قادة اعتبروا معتدلين في أعين العالم الغربي.

وإذا زرت اليوم أية عاصمة أوروبية رئيسية تجد مجموعة كبيرة من المفكرين والمثقفين والصحفيين وناشطي حقوق الإنسان والعلماء من العرب الذين اختاروا المنفى بدلاً من الاستمرار في العيش تحت ظلم الأنظمة التي تحكمهم. والعديد من وسائط الإعلام العربية المستقلة ازدهرت في عواصم مثل باريس ولندن, كما أقام العديد من المنظمات غير الحكومية العربية الإقليمية مراكزه الرئيسية خارج المنطقة العربية.

ويرى الكثيرون ممن يعارضون أنظمة بلادهم السلطوية في قنوات التلفزيون الفضائية وشبكة الإنترنت رحمة من السماء. فمحطة تلفزيونية مستقلة كـ”الجزيرة” قدمت العديد من هؤلاء النشطاء عبر العالم العربي وعرّفت بهم, عبر برامج كـ”الاتجاه المعاكس” Ùˆ”أكثر من رأي” وغيرها. كما وفرت شبكة الإنترنت وسيلة اتصال لا تخضع للرقابة, ويصعب تحديد مصدرها, وغير مكلفة, وقادرة على تعبئة الجماهير ورفع مستوى وعيها.

ويتوقع المراقب المحايد، في ظل وجود هذه الحركة الديموقراطية العربية القوية، أن يرحب المثقفون العرب وناشطو حقوق الإنسان ترحيباً شديداً بدعوة حكومة الولايات المتحدة للضغط على الأنظمة العربية لإجراء إصلاحات في حكوماتها. لكن صمتاً بارداً سيطر على المعارضة السياسية داخل العالم العربي وفي المنافي. والواقع أن خطة الإصلاح الأميركية الجديدة تعرضت إلى نقد غير عادي وشامل وكاسح, وركّز النقد, الذي غطى صفحات الرأي في معظم الصحف العربية وبرامج المناظرات في الفضائيات, بشكل كامل تقريباً على نواحٍ ثلاث: فقد شكك المنتقدون بمصداقية واشنطن وأعربوا عن شكهم بالأهداف الحقيقية للحكومة الأميركية بشكل عام وإدارة الرئيس بوش بشكل خاص. وهاجم المنتقدون النظرة الفوقية للمبادرة الأميركية بسبب عدم التشاور مع الحكومات العربية أو المستقلين, قبل تقديم معادلة الأميركيين السحرية لإنقاذ العالم العربي من نفسه. وأخيراً, أهاب معظم المنتقدين بالولايات المتحدة المساعدة في حل القضية الفلسطينية بدلاً من تحويل الانتباه إلى قضية الحاجة إلى إجراء إصلاحات.

هناك الكثير من الصحة في الانتقادات المذكورة أعلاه، إذ يتوجب على الولايات المتحدة أو الإتحاد الأوروبي أو أي طرف آخر مهتم بالإصلاحات في العالم العربي، أن ينظر بجدية وعن قرب إلى القضايا التي أثيرت كرد فعل للخطة الأميركية. ويبدو أن هذا قد حدث فعلاً, فقد نقل عن وزير الخارجية الأميركي قوله أن الولايات المتحدة لا تحاول فرض مشروعها, ومن الواضح أن موجة من الاستشارات تجري بشكل مباشر أو غير مباشر مع العالم العربي. لكن رغم أن هذا النقد صحيح في ظاهره, فإن هناك قضيتين تؤرّقاني في ما يتعلق به. فمعظم الذين يعبرون عن هذا النقد, ومعظم وسائط الإعلام التي تنقل هذه الآراء, تعاني من مشاكل في مصداقيتها في ما يخص الديموقراطية وحقوق الإنسان. وبعد سقوط نظام صدام حسين كشفت وثائق تم الحصول عليها, شبكة واسعة من الرشاوى لصحافيين ومعلقين ومثقفين عرب. فمسألة استقلالية الإعلام في العالم العربي هي بحد ذاتها سبب للكثير من الأمنيات المتعلقة بالإصلاح. وأعتقد أن العديد من المقالات المنشورة في هذه الصحف تمثل رأي الأنظمة السلطوية نفسها. وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه المقالات كُتبت بإيعاز من هذه الأنظمة, أو أن هذه الأنظمة دفعت أموالاً لقاء كتابتها. لكن يبدو أن العديد من القادة العرب يشعرون بالسعادة بسبب وجودها, ولا بد أنهم سعوا لتشجيعها من خلف الكواليس. فالكثير من هذه الأنظمة لا يجرؤ على مواجهة معلنة مع الولايات المتحدة أو أية فكرة تطرحها. وهذه حالة فريدة يمكن لهذه الأنظمة من خلالها أن تظهر بمظهر من يساند حرية التعبير, بينما تسمح لمثقفين مستقلين ظاهرياً بأن ينوبوا عنها في معارضة دعوة الولايات المتحدة إلى الإصلاح.

كما أنني لا أفهم هؤلاء الذين يريدون ربط عملية الإصلاح في العالم العربي بحل القضية الفلسطينية. فقد قامت الأنظمة العربية, ولفترة طويلة جداً, بأخذ القضية الفلسطينية رهينة من أجل تحويل الانتباه بعيداً عن فشلها وعدم كفاءتها ومشاكلها الداخلية. فالقضية الفلسطينية لن تخسر من عملية إصلاح حقيقية في العالم العربي, بل ستكسب. وإذا حصل هذا الإصلاح مثلاً, وهناك شك حقيقي في إمكانية حدوثه, فإنه سيجبر الحكومات العربية على أن تتجاوب مع متطلبات شعوبها بشكل أفضل. ومن مطالب الشعوب العربية اليوم أن تدعم حكوماتها فلسطين بالعمل وليس فقط بالقول. إضافة إلى ذلك, فالقضية الفلسطينية لا تشكل قضية ذات أهمية تتعلق مباشرة بعملية الإصلاح في العديد من الدول العربية, التي لا تجاور فلسطين مباشرة. فلا حاجة لربط عملية الإصلاح في المغرب مثلاً, أو عُمان, بحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

ما يؤرّقني في الحقيقة بالنسبة إلى دعوة الولايات المتحدة للإصلاح وردود الفعل تجاهها هو صمت المثقفين الحقيقيين العرب وعدم تطرقهم لجوهر ومحتوى الإصلاح, والحاجة إليه, بدلاً من التركيز على الأطراف التي تقف وراءه. صحيح أنه في أوقات صعبة كهذه التي يمر بها العالم العربي, يبدو لدى الكثيرين أن الصمت قد يكون ترياقاً ناجعاً. لكنني أخالف هذا الرأي. فحيث أن الديموقراطيين العرب فشلوا في تحقيق أهدافهم من خلال جهودهم الشخصية, يبدو لي أنه لا ضرر من دعم أية فكرة تتفق مع أفكارهم بغض النظر عمن ينقل هذه الفكرة. ففشل المثقفين الحقيقيين في التفريق بين الأمرين, سيفتح المجال فقط للمثقفين المأجورين والذين يلبسون قناع الناطق باسم العرب للحديث نيابة عن الجميع.

فالشفاء، بغض النظر عن نوع المرض، يبدأ بالتشخيص المناسب. فإذا لم يتمكن المثقفون الحقيقيون أو لم يرغبوا في تشخيص مشكلتنا بشكل صحيح، وإذا فشلوا في إعلاء أصواتهم، فسوف تسوء المشاكل في العالم العربي ولن يحصل الإصلاح المطلوب، بغض النظر عما إذا كان مصدره داخلياً أو إذا ما جاء نتيجة ضغط من الخارج.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .