يوليو 10 2016

تعزيز التنوير … عن وثيقة أردنية ضد التطرُّف

نشرت بواسطة الساعة 9:58 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

AlHayat

بقلم داود كُتّاب

أصبحت مكافحة التطرف العنيف في الآونة الأخيرة نكهة الشهر، ولكن إذا كانت الوثيقة المسربة دقيقة، فإن الحكومة الأردنية كانت ولا تزال بصدد وضع استراتيجية لمكافحة التطرف لمدة سنتين على الأقل.

تعتمد استراتيجية مكافحة التطرف على ثلاث ركائز هي: التفسير الصحيح للإسلام، والحاجة إلى تعزيز ثقافة الديمقراطية وإرساء قيم التسامح والتعددية واحترام حقوق الإنسان وقبول الآخر، وهي تدعو إلى اتباع نهج شامل طويل الأمد وليس إلى حل سريع.

لكن الوثيقة المؤلفة من 6350 كلمة والتي تبدأ بالحديث عن حقوق الإنسان والتسامح والديمقراطية، تبدو أكثر كمخطط يتطلب إجراءات من مختلف الفروع التنفيذية للحكومة، بحيث إن أي مسؤول رسمي يقرأ هذه الوثيقة سيحصل على انطباع بأن العديد من النقاط الموجهة إلى مختلف الوزارات هي أشبه بأوامر أكثر منها كلمات مشورة.

الوثيقة ذات الثماني صفحات والتي نشرت في إحدى الصحف المحلية المستقلة توفر تفاصيل تنفيذية بشأن كيفية التعامل مع التطرف تشمل 49 بنداً من المتوقع أن تنفذها وزارة الأوقاف الإسلامية، و17 بنداً وزارة الشؤون الاجتماعية، و15 بنداً تتعلق بوزارة التعليم و16 بنداً بالوزارة المسؤولة عن الشؤون الإعلامية، و10 بنود بوزارة الثقافة، و16 بنداً بوزارة الداخلية و10 بنود بوزارة الشؤون الخارجية، و11 بنداً يجب أن يعمل بها مستشار شؤون العشائر. هناك بنود مخصصة لوزارة التعليم العالي ومجموعة أخرى من البنود التنفيذية لوزارة التكنولوجيا، وعدد قليل من النقاط الموجهة للقوات المسلحة.

الوثيقة التي أبرِمت والتي ربما وافق عليها مجلس الوزراء في سرية تامة تدعو إلى دور المجتمع بأسره ليساعد في مواجهة التطرف. إنها تلعب دوراً هاماً بالنسبة الى المجتمع المدني في المساعدة على تنفيذها، على الرغم من أن المجتمع المدني لم يشارك أو يُستشار حول هذا الموضوع، وكثيرون في المجتمع المدني شعروا بوطأة هذه الاستراتيجية التي كان من المفترض أن يروّجوا لها.

كلما كانت الحكومة تقر أية خطة بالسر، فإنها بذلك تفتح المجال واسعاً للإساءة وسوء الاستخدام. أولئك الذين هم في السلطة يمكنهم أن يبرروا داخلياً حجب العديد من أعمال أفراد ومنظمات تحت ذريعة أنه ينبثق من هذه الاستراتيجية.

وعلى الرغم من إعطاء قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان مكانة بارزة في مقدمة هذه الاستراتيجية، إلا أن «الأوامر» التنفيذية التي تُتبع في كثير من الأحيان تتعارض معها، وإذا ما تم التنفيذ مباشرة فإن بعض هذه القضايا يشكل بوضوح أعمالاً غير قانونية وغير دستورية.

قد يكون كُتّاب الاستراتيجية التنفيذية قد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن الغاية تبرر الوسيلة، ولكن، كما يعلم الجميع، إن المبدأ الأساسي لحقوق الإنسان هو عالميته ولا يمكن أن تطبق المبادئ الديمقراطية على نحو تمييزي.

نشر هذه الاستراتيجية يلقي الضوء على عدد من القرارات السياسية المشكوك فيها والتي ظهرت في العام أو العامين الماضيين. المحاولات الرجعية لتغيير القانون الأردني للمنظمات تبدو بوضوح أنها قد تأثرت بهذه الوثيقة. ومحاولات السيطرة على المنظمات غير الحكومية الأردنية المحلية من خلال عملية معقدة من ناحية الموافقة على المشاريع تبدو انعكاساً لبعض البنود التنفيذية في هذه الوثيقة.

الأحداث العامة التي كفلها الدستور تم منعها من دون أن يعلم أحد بالجهة التي اتخذت قرار المنع. هناك مكالمات هاتفية تصل إلى مكاتب مدراء الفنادق من مصادر أمنية تطلب إلغاء احتفال ما دون أي تفسير. في شهر آذار (مارس) الماضي على سبيل المثال، أرادت النقابات المستقلة في الأردن عقد احتفال في مناسبة عيد الأم، إلا أنهم مُنعوا من دون تفسير. الآن نحن نعرف كيف تبرر مثل هذه القرارات بشكل خاطئ من أجل إضعاف النقابات المستقلة التي ربما تكون الحكومة ليست سعيدة بها.

تشرح هذه الوثيقة الآن التعسُّف وراء اعتقال الصحافيين والنشطاء السياسيين لما كتبوه أو نشروه في وسائل الإعلام المجتمعي، على رغم أنه في كثير من الحالات لم تكن لهم أية علاقة بالتطرف.

ليس هناك شك في أن التطرف لا بد من محاربته، ومحاربته بطريقة منسقة ومستمرة. ولكن، إذا كانت المحاربة تسمح بانتهاك القوانين وضمانات حقوق الإنسان، عندئذ يمكن أن يتحول الأمر بسهولة إلى هزيمة ذاتية. على الرغم من أن المتطرفين لا يؤمنون بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، فإن من الضروري ألا تفقد أية أمة مبادئها وقيمها باسم محاربة التطرف.

الطريقة الأفضل والأكثر فعالية لمحاربة التطرف هي تعزيز التنوير. ولتحقيق هذا الهدف الجليل فإن المجتمع ككل يجب أن يعمل معاً، بدءً من إدخال قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان للجميع، خصوصاً للشباب. في مجتمع حيث أُمسك أولئك الذين هم في السلطة مراراً وتكراراً وهم يستغلون سلطتهم، فإن إعطاء الموجودين في المناصب التنفيذية الحكومية مزيداً من السلطات غير المحدودة باسم محاربة التطرف يأتي بنتائج عكسية.

إذا كان المجتمع المدني بالفعل شريكاً طبيعـياً في المساعدة علــى زرع قيم التسامح وحقـــوق الإنسان والديمقراطية، عندئذٍ هناك حاجة إلى بذل جهود متضافرة وشفافة لتضمينها في خلق استراتيجية لا تنتهك الحقوق القائمة. ولإزالة هذه الآفة من التطرف من المجتمع، يجب أن يتم هذا الجهد بطريقة يتم فيها وضع سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان كقيمة عالمية غير مجزّأة، وليس كذريعة لتعزيز السياسات الحزبية التي قد تشجع موقتاً حكومة معينة، ولكن في المدى الطويل تزيد عزلة الأمة بأكملها.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .