مايو 04 2016

خريطة القدس الإسرائيليّة «السخيفة»

AlHayat

بقلم داود كُتّاب

ثبت عبر السنين، أن المنتصرين هم الذين يكتبون التاريخ. ولا يظهر هذا الواقع جلياً في أي مكان أكثر من مدينة القدس، حيث يحاول الإسرائيليون إعادة كتابة تاريخ القرون القديمة. والإسرائيليون يسعون، من خلال تغيير الحقائق على الأرض، إلى ادعاء حصرية المدينة التي كانت ولا تزال تُعرف بتنوّعها وتعدّدها الديني.

كانت آخر محاولة احتكار من اليهود للمدينة المقدسة مبالغاً فيها، الى درجة أن صحيفة إسرائيلية وصفت الجهد بأنه «سخيف». وقد لقيت خريطة للمدينة القديمة، تم توزيعها مجاناً على جميع السياح وتنتجها وزارة السياحة الإسرائيلية، انتقادات واسعة النطاق من القادة الدينيين والسياسيين والاجتماعيين المسيحيين والمسلمين. إذ من أصل الـ57 موقعاً سياحياً المعترف بها إسرائيلياً، هناك في الخريطة موقع إسلامي واحد وخمسة مواقع مسيحية فقط.

الحرم القدسي الشريف الذي يمتد على 144 دونماً، أي على حوالى ربع المدينة القديمة، هو الموقع الإسلامي الوحيد المذكور. وهذا الموقع العالمي الشهير، الذي يعترف به الإسرائيليون مستخدمين المصطلح اليهودي «جبل الهيكل»، يحتوي على عشرات المواقع بما في ذلك قبة مسجد الأقصى الفضية، وهو ثالث أقدس موقع في الإسلام، وقبة الصخرة الذهبية والمتحف الإسلامي ومكتبة المسجد الأقصى وكذلك المدارس الإسلامية والأضرحة.

المواقع المسيحية، التي تملأ المدينة القديمة، تم تقليصها هي أيضاً إلى حد كبير. طريق الآلام وحدها تشمل 14 موقعاً على طول محطات درب الصليب، الذي سار فيه يسوع قبل صلبه. كنيسة الفادي اللوثرية التي تصدح قلعة أجراسها في شكل مهيب، يتجاهلها تماماً مصممو هذه الخريطة الأحادية الجانب.

ومقابل هذه المواقع والأماكن التاريخية الدينية الشرعية التي يتم تجاهلها والتي تم الحفاظ عليها واحترامها لقرون عدة، فإن وزارة السياحة الإسرائيلية التي يديرها وزير يميني، فرضت على السياح مواقع يهودية لم يسمع بها المرشدون السياحيون الإسرائيليون، وفق قولهم. فقد تم تسليط الضوء على كل بيت تقريباً يملكه يهود أو معبد يهودي في البلدة القديمة، الى درجة أن صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية صنّفت هذا الأمر على أنه «سخيف».

وقال وزير السياحة والآثار الأردني، نايف الفايز، لموقع «المونيتور» الإخباري، ومقره واشنطن، إن محاولة احتكار القدس لن تنجح، مضيفاً أن «المحاولات الهادفة إلى جعل القدس حكراً على مجموعة واحدة أو دين واحد محاولات عقيمة. القدس مدينة مقدّسة بالنسبة إلى الأديان التوحيدية الثلاثة، وتضم عدداً كبيراً من المعالم الإسلامية والمسيحية واليهودية. بالنسبة إلينا، القدس مهمة للجميع».

لقد رفضت وزارة السياحة الإسرائيلية سحب الخريطة والتراجع عنها، وادعت أنه تم رسمها بمساعدة «خبراء» في مجال السياحة، لكنْ لم يتم تحديد أية قائمة أو أسماء لهؤلاء الخبراء. وفيما دان المسؤولون السياسيون والدينيون الفلسطينيون علناً الخريطة المزورة، فإن عدداً قليلاً من الشخصيات الدولية عبّر عن معارضة جدية. والآن، على منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونيسكو) والفاتيكان والطوائف المسيحية الأخرى ومنظمة الدول الإسلامية، التنديد علناً بهذا الجهد لاحتكار تاريخ المدينة الديني والمتعدد.

فالخريطة المثيرة للجدل ما هي إلا أحدث انعكاس لقصة الصراع حول قضية القدس. وإسرائيل تعمل كل ما في وسعها لإضعاف الارتباط الثقافي المسيحي والإسلامي بالمدينة، في حين تبالغ إلى حد كبير في توكيد ما بقي من الوجود اليهودي فيها.

ولئن حاولت جهود يبذلها التجمع السياحي المقدسي الفلسطيني الرد على هذا الجهد الإسرائيلي من خلال إنشاء خريطة شاملة للمدينة وتوزيعها، بقي أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد. ومعروف أيضاً أن المملكة الأردنية الهاشمية كانت ولا تزال تستثمر جهوداً سياسية ومالية هائلة في حماية المسجد الأقصى، وتمنع الجهود الإسرائيلية اليمينية للاستيلاء عليه، الأمر الذي يقلق كثراً حيال انقسام مماثل للانقسام الذي شهده المسجد الإبراهيمي في الخليل.

ومع ذلك، فإن ما نحتاجه مزيد من الجهود في مجال العلاقات العامة وترويج رواية شاملة عن مدينة القدس القديمة يمكن أن تعكس تمثيلاً عادلاً لأهميتها لدى المؤمنين من أبناء الأديان السماوية.

 

 

* صحافي فلسطيني

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .