مارس 27 2016

تصدير التعددية والتنوع بدلاً من تشجيعها

نشرت بواسطة الساعة 11:36 ص تحت فئة قضايا عربية,مقالاتي -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب

صعقنا مجدداً بخبر انتقال مواطنين يمنيين من الجالية اليهودية إلى دولة الاحتلال يوم الإثنين الماضي. عدد الذين تم نقلهم 19 فرداً، في عملية للوكالة اليهودية قيل إنها تضمّنت مشاركة أربع دول، ومساهمة قد تكون محدودة لوزارة الخارجية الأميركية، لكن رمزية الموضوع هو ما يهمنا.

كما ورغم معرفتنا بعنصرية دولة إسرائيل التي تستمر في سياسة الاحتلال والاستيطان والتمييز القومي والعرقي إلا أن المشكلة الأكبر والأهم لنا هو موقفنا من التعددية وماذا نعمل ليس فقط لوقف تصدير التعددية بل لتشجيعها والعمل على زيادتها في بلادنا العربية، والتي كنا نفتخر بتعددية الدين والعرق والهويات الفرعية، كلها تحت هوية قومية أساسية.

فماذا حدث ويحدث وما هي نظرتنا من مبدأ التعددية والتنوع في مجتمعاتنا العربية؟  والأهم من كل ذلك، ما هي الخطوات التي يجب أن يتم تنفيذها لوقف تصدير التعددية والعودة الى تشجيعها وتقويتها؟  فالعصر الذهبي الأندلسي نجح لدرجة كبيرة بالذات بسبب التعددية والتنوع بما في ذلك المكوّنات العربية غير المسلمة.

سبب تصدير التعددية كما هجرة العقول من بلادنا كبير ومتعدد.  ففي أوضاع حياتية صعبة من المفهوم رغبة المواطن -أي مواطن- بالهجرة. وزد على ذلك وضع اقتصادي متردٍ وحرب أهلية عنيفة وغير منطقية وبذلك تكتمل عناصر المشكلة بحق الوطن.  طبعاً تملك أحياناً بعض المجموعات الصغيرة فرصاً أكبر للهجرة من غالبية المواطنين ولذلك نرى نسبة أكبر مثلاً من المسيحيين وغيرهم بتنفيذ رغبات موجودة عند كل مواطن في السعي وراء مستقبل مشرق له ولعائلته.

إضافة إلى العناصر الأمنية والاقتصادية التي قد تسرّع عمليات الهجرة هناك أخطاء وخطايا لا يمكن التهرّب منها.  فرغم ترددنا، مثلاً، بأهمية العلاقة مع من هم أبناء الكتاب إلا أننا نسمع في خطب الجوامع كثيراً من الكلمات والعبارات الجارحة للعديد من أبناء الوطن الواحد.  ففي زاوية اللعنات في نهاية العديد من خطب الجمعة مثلاً، نسمع عبارات جارحة ضد مكوّنات أساسية من المجتمع دون اهتمام للأثر السلبي والمتراكم الذي تحدثه تلك العبارات القاسية.

الموضوع اليمني اليوم، كما هو الوضع العراقي والسوري والفلسطيني والمصري، يوفر أرضية مشجّعة للهجرة ويقلّص من التنوع والتعددية التي هي الرائحة الجميلة لأي مجتمع يبحث عن الحداثة والتقدّم والرقي. في إحدى مؤتمرات القمة العربية قبل سنوات عدة، عبّر الرئيس الليبي معمّر القذافي عن اقتراح بضرورة نقل المسيحيين العرب إلى أوروبا فرد عليه الرئيس العراقي صدام حسين قائلاً جملة يرددها إلى الآن العديد من العرب  المسيحيين “إن الأمة العربية حديقة جميلة والمسيحيون العرب أجمل ورودها.”

كلمات صدام والتغنّي بالأندلسيات لا يكفي لوقف هذه الظاهرة الخطيرة من الاستمرار. فالعروبة سبقت  المسيحية والإسلام ومن الضروري لإنجاح أي مشروع قومي أن تسود الهوية المركزية على أية هويات فرعية ولكن من الضروري ألا تختفي تلك الهويات الفرعية.  فخسارة العراق من مسيحييها أو اليمن من يهودييها خسارة أكبر بكثير من مجرد هجرة عدد محدد من السكان في فترة ما.

إن المؤسسات والمنظمات الدولية تعمل جاهدة للحفاظ على التراث العالمي المشكّل في العديد من الأحيان من حجارة قديمة في أماكن محددة.  إن عملية الحفاظ على تراثنا العربي الغني بالثقافة والتنوّع والتعددية يتطلب العمل المضاعف للحفاظ على الحجارة الحيّة المشكّلة من مواطنين ومواطنات يحملون معهم الإرث المتوارَث عبر القرون ويشكلون شاهداً أساسياً تنويرياً على شمولية حضارتنا. على الجميع أن يعملوا وبكل الأشكال على وقف الدمار الذي يضر كافة أبناء مجتمعاتنا، وفي نفس الوقت على وقف عمليات التهجير القصرية لمكوّنات كانت ولا تزال موجودة، ويجب أن تبقى عنصراً فريداً وجميلاً من ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .