يناير 21 2016

الجلوة وسيادة القانون

نشرت بواسطة الساعة 12:49 م تحت فئة غير مصنف -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بحكم علاقتي مع أخوالي من عشيرة النشيوات المنحدرين من السلط، ومع أهل زوجتي من عشيرة المدانات الكركية، أعلم أموراً عدة عن الحكم العشائري، وموقعه في الحياة الأردنية، وأتحفظ على بعض الممارسات تحت مظلته.

كل معرفتي وفهمي واحترامي للعشائر جرى نسفه الأسبوع الماضي حين قام نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم محمد ذنيبات يوم الجمعة الموافق 15 كانون الثاني 2016 بالتوقيع على عطوة عشائرية تم بموجبها إجلاء عشرات الأسر من أقارب المتهم بمقتل مواطن آخر. ذكرتُ التاريخ لأنوّه للقارئ بأن ما حدث لم يتم لعائلات تسكن في خيم، إنما وقع في السنة السادسة عشرة من الألفية الثالثة، وفي أوج ثورة المعلومات في القرن الحادي والعشرين.

ما هزني في الصميم هي القرارات غير الدستورية وغير القانونية وغير الأخلاقية، التي وقّع عليها وزير في الحكومة أقسم يمين احترام الدستور والقانون، إذ يقرر الاتفاق -على سبيل المثال لا الحصر- إدانة المتهم بالقتل ويوافق على إنزال حكم الإعدام فيه، ويقرّ بامتناع الموقعين على الوثيقة، كافةً، طلب الاسترحام أو العفو.

كيف يوافق وزير مكلّف بسيادة القانون واستقلال القضاء، مسبقاً، على تجريم أو تبرئة مواطن ما، ويقرر نوع العقوبة التي يجب أن يجزى بها، ويقر بسلب حق المواطن بمحاكمة عادلة والحق بالتمتع بعفو إن أراد ذلك رأس الدولة.

المسألة لا تنتهي هنا، فالمصيبة أنه توسّع في العقاب حتى شمل إجبار أقرباء المتهم لغاية الجد الخامس على مغادرة منازلهم وبلدتهم لثلاثة أشهر! لم أكن أتصور أن يكون هناك عقاباً جماعياً بهذه الطريقة المخالفة للقانون وللمعاهدات الدولية، التي صادق عليها الأردن، وللمنطق الذي لا يقبل أن يتحمل شخص مسؤولية غيره مهما كان. الإنسان مسؤول عن نفسه فقط، ولا يوجد أي نظام او منطق يقبل بالعقاب الجماعي المرفوض أردنياً وعالمياً.

لا ترقى المبررات التي قدمت للنقاش أو التعليق. فهناك من قال إن العطوة لن تطبق كلياً، لكنها ساهمت في معالجة “فورة الغضب”ØŒ وهناك من ادعى أن جلاء أسر المتهم جاء لحمايتها من غضب عائلات المغدور، لذا لا يمكن اعتبار ذلك عقاباً بل نوعاً ما من الحماية!

العطوة ونشر تفاصيلها يسيء للدولة الأردنية، ويقلص من هيبتها وقدرتها على ضبط الاستقرار في ظل وجود سيادة وقانون عشائري موازيان لسيادة القانون ودور الجهازين القضائي والتنفيذي في إنفاذ القانون الذي سنّه مجلس الأمة. وتطرح تساؤلاً أكبر حول أهمية ممثلي الشعب في ظل وجود وجهاء يبدو أنهم يمتلكون تأثيراً وسلطة أكبر مما أفرزته العملية الديمقراطية الحرة.

كون وزير التربية من وقّع صك العطوة، فإن المغزى السلبي من ذلك لا يخفى على أحد. فكيف يمكن أن يدير ويوجه مسؤول يرأس إحدى أهم الوزارات بعد أن قام بعمل غير ديمقراطي وغير تربوي!

يوفّر النظام العشائري حماية ودعماً لأبنائه، وقد نجح القضاء المدني عبر سنوات بدمج القضاء العشائري واستيعابه ضمن المنظومة القضائية الرسمية. ويعلم الكل أن وجود عطوة أو اتفاق عشائري بين الأطراف يتم قبوله كركن مهم وأساسي في تطبيق القانون على كل المواطنين من دون تفرقة.

أن يعلو القضاء العشائري على القضاء المدني بحيث يسطو على الدستور والقانون النافذ بمباركة نائب رئيس الوزراء، فإن ذلك يعد قمة في التخلف والتراجع عن مكتسبات عقود ونضالات استدعت تضحيات كنّا نأمل أن توصلنا إلى دولة مدنية يحكمها عقد اجتماعي هو الدستور الأردني الذي ينص على أن نظام الحكم برلماني ملكي وراثي، وليس نظاماً عشائرياً.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .