أكتوبر 10 2015

ما المطلوب لدعم القدس والأقصى؟

AlHayat

بقلم داود كُتّاب

بلا تضخيم أو تقليل مما يجري في الحرم القدسي الشريف يجب أن نفكر على نحو هادئ وإستراتيجي لمعالجة ما سماه الملك عبد الله الثاني «الاستفزازات» الإسرائيلية، وهو يشير إلى مخالفاتٍ واضحةٍ لتفاهمات جرت سراً في عمان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري أواخر السنة الماضية.

عاد السفير الأردني إلى تل أبيب، في آذار (مارس) الماضي، بعد التزام إسرائيل تفاهمات تركزت على ثلاث نقاط أساسية: عدم تقييد الحضور الإسلامي في المسجد الأقصى، وإبقاء المجموعات الزائرة من خلال باب المغاربة (الذي يسيطر عليه الجنود الإسرائيليون وحدهم) في أقل عدد ممكن، وقد اقترح الجانب الأردني ما بين 5 و 15 شخصاً كحد أقصى، وعدم السماح لشخصيات سياسية (نواب كنيست أو وزراء) أو شخصيات متطرفة بالمشاركة في الزيارات.

في التحضيرات لعيد رأس السنة اليهودية وعيد المظلة اليهودي (السوكوت)، بدا واضحاً أن الجانب الإسرائيلي يخطط لمخالفة تلك التفاهمات. فإعلان المرابطين والمرابطات جمعيات إرهابية، ومنع النساء من دخول الحرم قبل الحادية عشرة صباحاً، وتقييد حضور الرجال فقط بمن هم في الأربعين وما فوق، كلها مؤشرات إلى أن الاحتلال يخالف التفاهمات.

وجاءت توقعات المقدسيين في مكانها، إذ أدخلت قوات الأمن الإسرائيلية أعداداً كبيرة من اليهود المتطرفين دفعة واحدة، وكان بينهم وزير الزراعة المتطرف أوري أريل، ما فجّر احتجاجات عنيفة ضده.

حضور المقدسيين وتحديهم، كما البيانات الصادرة عن عمان ورام الله والقاهرة (الجامعة العربية) ونيويورك (الأمم المتحدة)، ساعدت في إظهار خطورة الأمر، لكنها لم تكن كافية. فللرد على تلك الاستفزازات، التي قد تتسبب بنشوب حرب دينية تضاف إلى الصراع السياسي، هناك حاجة ماسة إلى توحيد الجهود بصورة عملية ومؤثرة، بعيداً عن الشعارات والدعم اللفظي الذي طالما سئمه الشعب الفلسطيني. والرد يجب أن يكون مسؤولية الجميع من سكان القدس إلى كل سكّان العالم.  دور أهلنا في القدس يجب أن ينال أهمية قصوى، وأن تتوسع عملية الاحتجاج لكي تشمل كل المرافق الحياتية هناك، بخاصة تلك المتعلقة بالطرف الآخر، وقد يتمكن أهلنا في القدس من شلّ الحياة في ضواحي المدينة كافةً، شرط أن تكون هناك وحدة حال وقيادة موحدة ومتفق عليها وصاحبة قرار.

وللأسف لا آمال منعقدة على قيادة مقدسية موحدة، حيث يسيطر في أيامنا بلطجية وعصابات ليس لديها أي انتماء غير زيادة نفوذها المحلي المرتبط بمن ينتزع خوّة أكبر، ومن تكون العصابة الأقوى. لقد سمحنا (عن قصد أو غير قصد) بتشرذم القيادة بسبب تعدد المرجعيات وغياب آلية ناجعة لاختيار وتطوير قيادة وطنية ملتزمة يلتف حولها سكان القدس.

ونجحت استراتيجية إسرائيل بفصل القدس عبر حائط الفصل عن محيطها الطبيعي مع بقية الضفة الغربية، ومنع التواصل مع القيادة الفلسطينية الشرعية في رام الله، لكن عملية الفصل نتج منها رد فعل عشوائي منح دوراً كبيراً لبعض الأطراف، بينما أصبح السواد الأعظم من سكان القدس يتامى سياسيين.

المقدسيون، الذين يزيد عددهم عن 350 ألف مواطن، في حاجة ماسة إلى آلية لجمع الشمل وخلق قيادة موحدة يمكن الاعتماد عليها في إدارة صراع من الواضح أنه سيطول. الأردن والقيادة الفلسطينية والحركات الإسلامية والوطنية، إضافة إلى رجال الدين المسلمين والمسيحيين، مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بتوحيد جهودهم لخلق قيادة موحدة بعيداً عن تعددية المراجع.

وما يستطيع ان يقوم به المقدسيون الموحدون أكبر بكثير من مواجهات محدودة في منطقة الحرم، مع أهميتها، لمنع كل محاولات التهويد والسيطرة. فلنتخيل لو قامت الكنائس بإغلاق أبواب كنيسة القيامة أو كنائس أخرى أمام مئات السيّاح ليوم واحد، علماً أن الكنيسة تشارك بتظاهرات أسبوعية في بيت جالا احتجاجاً على مصادرة أراضي المدينة لبناء الجدار السيء الصيت.

إن القدس تتمـــتع بموقع ممتاز يؤهلها لانطلاق الكفاح الشعبي غير العنيف، الذي طالما نادت به القيادات الوطنية والإسلامية، لكنه بقي كلاماً بلا أفعال. فذلك يتطلب جهداً وصبراً وانضباطاً أكثر بكثير من عمليات رمي الحجارة والمواجهات العنيفة القـــصيرة المــدى، والتي يتم التصدي لها بعنف. وطبعاً لا يوجد ضمان بأن إســـرائيل لن تحاول التصدي للنضال غير العنيف في القدس، لكن الأمر سيكون أصعب عليها وأكثر ضرراً سياسياً بمصالحها.

وتقع المسؤولية السياسية على عاتق القيادات الأردنية والفلسطينية والمحلية في القدس، وهي تتطلب توحداً سريعاً عبر وضع إستراتيجية عملية وفعالة تتضمن آلية لاختيار قيادة قوية وصادقة تمثل أمنيات المقدسيين بوقف «الاستفزازات» الإسرائيلية، وعمليات التهويد غير المتوقفة منذ 1967.

* صحافي فلسطيني.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .