سبتمبر 18 2015

أنسنة الاعلام: “عيون الحرامية” نموذجاً

نشرت بواسطة الساعة 3:40 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب *

يعاني الإعلام العربي من مشكلة عضوية تتمثل في الإفراط بالتعميم وعرْض الإحصائيات مع تجاهلٍ للقصص الإنسانية والتركيز على حالات شخصية لشرح قضايا كبرى، فالصحفيون والإعلاميون يفضلوا الأرقام على الحالات رغم أن كلاهما ضروري لنقل الصورة، ووضعها في سياقها المناسب. وأفضل المقالات والريبورتاجات، والأفلام الوثائقية والروائية كذلك، هي التي تركز على نقل صورة إنسانية، ثم تضع تلك القصة في الإطار العام من خلال أرقام وإحصائيات.

 

لدى إجراء مسحٍ سريعٍ لأفلام تصوّر قضايانا المصيرية مثل القضية الفلسطينية، تجد أن هذه الأفلام تحكي قصة شعبٍ من خلال صور وراوي وتعكس أفكاراً عمومية، في محاولة خاطئة لنقل صورة شعبٍ كل أفراده مقاومون وأبطال، ولا ذكْر أو محاولة لعرْض صور مختلفة تعكس التعددية والاختلاف لدى كل شعب. ورغم فشلنا الذريع في نقل الصور الإنسانية متعددة الأبعاد، إلا أننا نشكو في الوقت نفسه بأن العالم ينظر إلينا بصورة نمطية!

 

نجوى نجار مخرجة فلسطينية عاشت في السعودية والأردن والولايات المتحدة، وتقيم حالياً في القدس، وقد استطاعت تجاوز تلك القاعدة في فيلمها الروائي الطويل الثاني “عيون الحرامية”، المستوحى من بطولات المقاومة، وخرَج عن المعتاد لينقل صورة الإنسان الفلسطيني بمستوياته المختلفة وتناقضاته وتعقيداته.

 

في عملها الجديد، بعد فيلمها الأول “المر والرمان”، كسرت نجوى نجار الصورة النمطية عبر تقديمها قصة فريدة حدثت خلال الانتفاضة الأولى، ولم يهتم بها الأعلام كثيراً، رغم أنه من المفترض أن تنال أهمية قصوى. إنها قصة القناص الفلسطيني ثائر كايد حمّاد من قرية سلواد (يقدمه الممثل المصري المتميز خالد أبو النجا) الغاضب من استمرار الإهانات التي يتلقاها عند نقاط التفتيش، فقام يقتل أحد عشر جندياً من جنود الاحتلال بسلاح قديم من دون أن يمس مدنياً واحداً، رغم توفر إمكانية قنص مستوطنة جاءت لتقديم الطعام إلى جنود الاحتلال.

 

اجتهدت نجار في عرض النضال الوطني للفلسطيني المسيحي ضد الاحتلال من خلال تجسيد علاقة بطل الفيلم بالراهبة والخوري، اللذين وفرا له معاينة طبية، وحماية من الاحتلال، وزيارة لقبر زوجته هدى في مقبرة مسيحية. المخرجة التي كتبت السيناريو أيضاً، لا توضح إن كان البطل مسيحياً أم لا، لكن التعددية التي عرضتها تظهر عمق الوحدة الوطنية وسموّها على ما عداها.

 

لم تتوقف عمليات كسر القوالب التقليدية، فتنقلنا نجار إلى المجتمع النابلسي متعدد الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، ونتعرف على شخصيات من الطبقة الوسطى، ومنهم أبو أنس (تمثيل وليد عبد السلام) ووسام (تمثيل خالد المصو)، إلى رجل الأعمال عادل (تمثيل سهيل حداد).

 

نتعرف على نساء متنوعات متعددة، فتؤدي بطلة الفيلم ليلى (تمثيل سعاد الماسي) دوراً اجتماعياً  متناقضاً، نوعاً ما، ولا تنسى نجوى نجار في فيلمها الرائع بأن محور القضية الفلسطينية في عصرنا الحالي هو الصراع على الأرض، وتعالج هذا المحور بعرض التناقض الذي يلمسه كل فلسطيني فيما يتعلق بالعلاقة مع الاستيطان، وتكيف البعض معه تحت ذرائع وحجج واهية.

 

ترسم المخرجة صورة الصراع على الأرض بتناول مشكلة المياه وتحكم الإسرائيليين (بتعاون بعض الفلسطينيين) عبر التحكم بمنابع المياه وتحويلها لخدمة المستوطنات والمستوطنين.

 

لكل من يعتقد أنه يفهم القضية الفلسطينية، ويعي معنى مقاومة الاحتلال، فإن “عيون الحرامية”  يوفر مفاجأة صادمة، حيث يعرض الحياة تحت الاحتلال خلافاً لما يتم مشاهدته يومياً في نشرات الأخبار، أو قصص البطولة أحادية البعد.

 

جرى تصوير الفيلم في مدينة نابلس والريف الفلسطيني، ويروي حياة شعب مقاوم من خلال قصص إنسانية مليئة بالتعقيدات والتناقضات وتعدد المستويات، وهو يعرض حالياً في صالة سينما بريمير/ بركة مول في الصوفية لغاية آخر الشهر.

 

* داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .