أغسطس 30 2015

قطار اللامركزية إذ ينطلق

نشرت بواسطة الساعة 1:27 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب

بعد جهد كبير، ورغم معارضة غالبية النواب، انطلق قطار اللامركزية في الأردن. انطلاقة لم تكن سهلة، فالنواب يعلمون جيداً أن تطبيقها يعني بالتأكيد تقليص عدد أعضاء البرلمان، والأهم هو سحب مزايا كان يستفيدون منها في مجال “الوساطات”، و”الخدمات” المحلية التي كانوا يقدمونها. مجالس المحافظات ستحل مكانهم في تحديد أولويات كل محافظة -فأهل مكة أدرى بشعابها- الأمر الذي سيحصر صلاحيات النواب في الجانب التشريعي والرقابي، وهو المفترض أن يكون أساس عمل ممثلي الأمة.

إقرار قانون اللامركزية شهِد تلاعباً على رغبة النواب، ففي الدقائق الأخيرة قبل الانتهاء من النقاش المفصل حول مسودة القانون جرى أمر، أقل ما يوصف أنه منافٍ للديمقراطية، إذ قرر رئيس المجلس، من غير سابق إنذار، وبلا نقاش وتبادل للآراء، ومن دون إعلام النواب، أنه سيعاد التصويت على المادة السادسة من القانون، التي كانت الحكومة اقترحتها على أن مجالس المحافظات تشكّل من 75% أعضاء منتخبين و25% معينين، وتم تعديلها لتصبح 100% منتخبين يضاف إليهم 15% كوتا نسائية. وفي ثوانٍ قليلة أعلن رئيس المجلس العودة إلى المادة، والتصويت على مسودة القانون، كما جاءت من الحكومة، وفي تلك الثواني وافق المجلس على طلبه المستعجل وغير المعد له، ونجح التصويت خلافاً لما كان في اليوم السابق.

رغم تلك الآلية غير الديمقراطية، الا أن اللامركزية انطلقت، ونجحت الدولة في إقرار قانون انتخابات عادل، ومن المؤمل أن المجالس المنتخبة القادمة، التي ستكون أكثر انفتاحاً وتقدماً وتنويراً وديمقراطية، ستحسن القانون ليتلاءم مع رغبات المواطن الذي يفضل انتخاب مجالس محافظاته لا تعيينها.

اللامركزية (بعد إقرار قانونها من مجلس الأعيان ومصادقة الملك عليه) تعني بداية عهد جديد يضع أولويات عادلة للمحافظات في صرف المخصصات من الموازنة العامة والتطويرية، وليس للعاصمة ومن فيها لتحديد هذه الأولويات، وستشكل تغييراً هاماً في تطبيق خطة “الأردن 2025″، التي تتوقع الحكومة بأن تشكل مسودة رؤية واستراتيجية لكل الأردن والأردنيين في السنوات العشرة المقبلة.

تحتاج اللامركزية، كما هي الأفكار الجديدة، إلى من يترجمها بالرؤى والتوقعات نفسها، التي وضعها مصممو الفكرة. قوة الخطة والقانون الجديد مثل سلسلة ممثلة بقوة أضعف حلقاتها، ونجاحها منوط بمن في المحافظات مثلما من هم في المركز، وكلما وافق المركزيون التنازل عن صلاحياتهم، والاستفادة من القانون والتجربة الجديدة، ستكون النتيجة لصالح الوطن والمواطن.

معنى اللامركزية يتجسد بنقل العديد من آليات اتخاذ القرارات وتحديد الأولويات من لجان مغلقة في البرلمان الموجود في العاصمة إلى المجالس المحلية الممثلة للمحافظات. ويتطلب نجاح الأمر نضجاً في الوعي والتواصل والنضوج الفكري والإداري وتراكم الخبرات والاستفادة من تجارب الآخرين. وسيكون من الأهمية الكبرى زيادة عمليات التوعية والتواصل وخلق آليات اتصال جديدة وناجعة تسمح للمواطن بمعرفة أفضل بحقوقه وقدرة أكبر للتأثير على مجريات السياسات المحلية التي تمس حياته.

انطلق قطار اللامركزية -وإن بصعوبة- ويبدأ الآن العمل الجاد على إنجاح هذه التجربة المهمة، علماً بأن هناك من يريد للتجربة أن تفشل. قانون اللامركزية سيء ومليء بالثغرات، التي تضمن استمرار المركزية بعد إقرار قانون عنوانه عكس ذلك، لكن عملية التغيير بعد الانطلاق أسهل بكثير من التغيير لو بقي القطار معطلاً.

* داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .