يونيو 05 2015

وقْف تعميمات هيئة الإعلام

نشرت بواسطة الساعة 10:32 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب*

القارئ المتخصص يتلمس رغبةً في تخفيف وطأة التدخل الحكومي ضمن آخر تعميم وزعته هيئة الإعلام، وجاء بناء على كتب رسمية وصلت إلى الهيئة من قبل وزير الدولة لشؤون الإعلام، ووزير الصناعة والتجارة حول كيفية تغطية الإعلام للصادرات الأردنية.

احتوى التعميم العبارة التالية: “يرجى عدم التسرع بنشر أو بث أية معلومات عن المنتجات الأردنية الزراعية والصناعية بصورة سلبية إلا بعد الرجوع للجهات المختصة، وذلك حفاظاً على سمعة المنتجات الأردنية في الخارج وما يسببه ذلك من تأثير سلبي على حجم الصادرات”. من الواضح أن كلمات مثل: “يرجى” و”عدم التسرع” هي من صياغة مدير عام الهيئة الدكتور أمجد القاضي بغرض تلطيف حدة تعميمه.

التعميم يهدف إلى إعطاء توجيهات مهنية صحفية، لكنه جاء على شكل وثيقة رسمية مروّسة من الهيئة مما أضعف تلك المحاولات النبيلة. فلو صدر التعميم من نقابة الصحفيين أو من المجلس الأعلى للإعلام الذي ترأسه القاضي قبل حلّه لكان الأمر مقبولاً. أما أن يأتي من الجهة نفسها التي تقدم التراخيص، ولها السلطة في سحبها أو معاقبة من يخالف بنودها فهذا خلط كبير يضاعف من الرقابة الذاتية، خاصة أن التعميم جاء في سياق سلسلة تعميمات كان أولها عن الجيش ثم عن الشرطة وثالثها عن دائرة الإفتاء.

كان هناك شكوى من التعميم الأول، غير أن ظروف الحرب في الشمال وفّرت غطاءً سمح بتمريره، إلاّ أن تكرار التعميمات وتوسعها بات يشكل خطورة على استقلالية الإعلام.

صعوبة الأمر تبرز بأن القاضي أستاذ جامعي في الإعلام، ومؤمن بحريته، ويعي أن التدخل في عمله من جهة حكومية يسجل ضد الدولة واستقلالية إعلامها، لكنه في الوقت نفسه وبصفته مديراً معيناً من قبل الحكومة، ومرجعيته المباشرة وزير الدولة لشؤون الإعلام، فإنه لا يستطيع أن يتجاهل طلباً مباشراً منه، وهنا تكمن المشكلة.

في الأنظمة الديمقراطية يتم احترام استقلالية الإعلام وحمايته من تدخل الحكومات، فإذا كان دور البرلمانات إضافة للتشريع هو رقابة الحكومة بالتوازي مع استقلال القضاء، فمن المؤكد ضرورة احترام وضمان استقلالية السلطة الرابعة وحريتها. العلاقة الصحية تتضمن وجود مسافة بين الحكومة وبين الجهات الرقابية في السلطة التشريعية أو القضاء أو الإعلام.

معالجة المعضلات تجري من خلال هيئة تنظيم للإعلام تكون مستقلة، وتتشكل غالباً من مجلس أمناء يمثل الطيف الوطني، ولا تكون مرجعيتها السلطة التنفيذية.

ما يعقد الأمور أكثر، بالطبع، هو أن للحكومة وسائل إعلام تملكها مباشرة أو بشكل غير مباشر، وأخرى لها تأثير كبير عليها، ويزيدها تعقيداً قرار الحكومة الأخير بإنشاء تلفزيون جديد من المفترض أنه سيشغّل بنظام الخدمة العامة مثل هيئة الإذاعة البريطانية، ولا يُعرف إلى الآن من هي الجهة التي ستملك وتدير وتموّل هذه المحطة. علماً بأن تعريف اليونسكو لتلفزيون الخدمة العامة واضح، وهو أنه “ليس تجارياً ولا تملكه الدولة ويجب أن يكون حراً من التدخل السياسي والضغوطات التجارية”.

منذ أسابيع عدة تُناقش أمور متعلقة بالتنظيم الذاتي الإعلامي، وجرى تباحث فكرة تشكيل مجلس شكاوى مستقل يهدف إلى توفير وسيلة للتواصل بين الإعلام وبين المجتمع. قد يمثل هذا الجسم المستقل مخرجاً لتخفيف الأعباء غير السهلة التي تلقى على كاهل رئيس هيئة إعلام محدود الصلاحيات ومقيد في العمل. وإلى حين استبدال نظام تعيين رئيس لهيئة الإعلام من قبل الحكومة بمجلس مستقل يوفر الاستقلالية لمديره، فمن المحبذ أن تتجنب الهيئة ورئيسها تعميمات إضافية لا تفيد كثيراً، وتضر بحرية الإعلام بحسب المؤشرات العالمية.

 

*  مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .