مايو 27 2015

عمق الألم والمعاناة في فلسطين

بقلم داود كُتّاب

أحياناً من الصعب أن نتذكر المعاناة اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الإحتلال.  غالباً ما تحوّل الحروب والاضطرابات التي تجري في كل مكان حولنا انتباهنا عن القضايا الحقيقية الرهيبة التي قد تشهد عدم اهتام مقارنة مع الحروب في سوريا أو اليمن.  ومع ذلك فإن المأساة الإنسانية في فلسطين هي حقيقية حتى ولو أنها لا تتصدر عناوين الأخبار.

لنأخذ على سبيل المثال قضية خالد أبو عرفة وأحمد عطوان ومحمد طوطح ومحمد أبو طير الذين حرموا من حقهم الطبيعي في العيش في القدس المكان الذي ولدوا فيه، ويضطرون أن يقيموا في رام الله القريبة من القدس دون أية وثائق.  جريمتهم أنه تم انتخابهم (في قضية أبو عرفة تعيينه وزيراً) عقب فوز القائمة البرلمانية الموالية لحماس في عام 2006.  وكانوا ولا زالوا منذ عشر سنوات يرفضون العيش خارج القدس وبداءو منذ عشره سنوات النضال من خلال المحاكم الإسرائيلية، وتم سجنهم ثلاث مرات. خطيتهم الرئيسية، (حسب المدعي العام الإسرائيلي) هي أنهم لم يظهروا الولاء لدولة إسرائيل. القدس الشرقية وهي مسقط رأس هؤلاء الرجال تم ضمها بقرار أحادي الجانب من قبل إسرائيل بعد فترة وجيزة من احتلال عام 1967. ولم  يعترف أي بلد في العالم بهذا الضم.

لنذهب نحو الجنوب ونلقي نظرة في قضية القرويين في سوسية وهي منطقة ريفية في جنوب الخليل استخدمها الجيش الإسرائيلي لإجراء تدريبات عسكرية فيها.  عندما اشتكى سكان القرية إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، حكمت المحكمة الإسرائيلية لصالح الجيش ضد الفلسطينيين الذين يعيشون على أراضيهم.

في شهر نيسان/إبريل من عام 2002، طوقت إسرائيل كنيسة المهد في محاولة لإلقاء القبض على العشرات من الفلسطينيين الذين قرروا الإحتماء في الكنيسة. بعد مفاوضات مكثفة، وافقت إسرائيل على السماح للتسعة والثلاثين فلسطينياً بالخروج للعيش بصورة مؤقت نحو أماكن مختلفة. أبعد ثلاثة عشر إلى دول أوروبية مختلفة و26 إلى غزة.  كان الإتفاق أن يقيموا مدة سنتين ثم سيسمح لهم بالعودة إلى ديارهم في بيت لحم.  وقد مرّ الآن 13 عاماً وليس هناك دليل على أنه سيسمح لهم بالعودة على الإطلاق.

الحالات المذكورة أعلاه هي مجرد عينة للمشاكل التي يواجهها الفلسطينيون الذين يعيشون منذ ما يقرب من 47 عاماً تحت الإحتلال العسكري. هذا الإحتلال الذي يتضمن أيضاً المشروع الإستيطاني الإستعماري تلقى للتو نفوذاً أكبر مع تشكيل الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ دولة إسرائيل.

في الساعات الأخيرة من المفاوضات لتشكيل حكومة نتنياهو الرابعة سعى القوميون المتطرفون من حزب البيت اليهودي للمناصب التي تؤثر بشكل مباشر على الفلسطينيين وقد حصلوا عليها. والآن فإن نائب وزير الدفاع المسؤول عن حياة أربعة ملايين فلسطيني هو في أيدي القوميين اليمينيين الإسرائيليين المؤيدين للإستطيان.  والمنصب المباشر بدرجة أكبر هو رئيس الإدارة المدنية ينتمي أيضاً إلى نفس الحزب.

الإدارة المدنية التي كان من المفترض أن يتم إلغائها كجزء من اتفاقيات أوسلو مسؤولة عن أكثر من 60٪ من أراضي الضفة الغربية التي تم تعريفها بالمناطق (ج).  هذه إحدى أهم المناطق للدولة الفلسطينية المستقبلية التي يمكن أن تتوسع بها . هذه المناطق ضمن نفوذ المؤيدين للإستيطان والذين مما لا شك فيه أنهم سوف يضاعفون وحتى إلى ثلاثة أضعاف عدد المستوطنين اليهود والمستوطنات دافعين بعيداً فرصة لأي احتمال معقول لحل الدولتين.

المحكمة العليا الإسرائيلية التي يرى البعض أنها تبقي الاحتلال تحت الرقابة النسبية ستصبح مما لا شك فيه أكثر راديكالية الآن حيث أن وزيرة العدل الجديدة وهي من نفس الحزب اليميني ملتزمة بإضعاف وانتقاص من تأثير المحكمة العليا مما سيجعل المحكمة اكثر طرفا مجرد لحماية نفسها من بطش الوزيرة المتطرفة.

يرى البعض أن حكومة يمينية كهذه قد تنتج نوعاً من الضغط الدولي الذي سيجبر حكومة نتنياهو إلى الإمتناع عن القيام بأعمال استفزازية ضد الفلسطينيين. عدد قليل من الفلسطينيين سوف يحبسون أنفاسهم.  فالخبرة تخبرنا أنه مع حكومة كهذه فإن أمورأً أسوأ من ذلك ستحدث للفلسطينيين والمجتمع الدولي لن يبذل أكثر من تقديم مجرد كلام ضد مثل هذه الأعمال.

قال عمر البرغوثي الباحث والناشط الفلسطيني ومؤسس دعوات المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل في عمود في صحيفة نيويورك تايمز إن التطرف الإسرائيلي سيشجع المقاطعة العالمية لإسرائيل. حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) سوف تتلقى بلا شك دعماً كبيراً نتيجة تشكيل الحكومة الجديدة التي لن تضم أعضاء ممن يمكن ان يخفوا موقفها المحرج.  فالحكومة الإسرائيلية الجديدة ما هي إلا انعكاس حقيقي لدولة إسرائيل من دون ماكياج وأقنعة التي لطالما استخدمت بمهارة لسنوات.

بينما يتذكر الفلسطينيون نكبة عام 1948 وخسارة أراضيهم وبيوتهم في ما يعرف الآن بدولة إسرائيل، فمن المحزن أن ندرك أننا بعيدون عن أي حل معقول يمكن أن يضمن الجزء الآخر من خطة التقسيم ألا وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة.

ومع إبتعاد احتمالات التوصل إلى سلام شامل ، فإنه من المهم ألا ننسى العنصر البشري من هذه العقود المأساوية القديمة خاصة الذين تم ترحليهم داخل بلادهم وكذلك الذين أصبحوا لاجئين في جميع أنحاء العالم.

 

*كاتب فلسطيني من القدس

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .