مايو 01 2014

استسلام حماس

موقع دوت مصر

بقلم داود كُتّاب

قد يبدو عنوان هذه المقالة مستفزاً لمن يدعم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ولكنه توصيف أقرب الى الحقيقة لما جرى يوم 23 إبريل/نيسان الماضي في منزل رئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية.

فاتفاق المصالحة أو ما سمي باتفاق مخيم الشاطئ رمزاً لمنزل هنية حيث تم التوقيع على صك تنفيذ قرارت المصالحة يعد تراجعاً لمواقف وأيديولوجيات حركة المقاومة الإسلامية والتي روجت ولسنوات موقفها المبني على وحدانية استراتيجية “المقاومة” والرافض  الكامل لخيار المفاوضات.

صحيح أن ما اتفق عليه في مخيم الشاطئ يعتبر تنفيذاً دقيقاً لتعهدات كانت حماس وفتح قد وقعتا عليها سابقاً في مكة المكرمة والدوحة والقاهرة، إلا أن سرعة تنازل حماس عن مواقفها وبدون أية شروط تذكر يعكس تنازلاً يشبه الإستسلام والإحباط السياسي.

اذا كانت موافقة حماس لتنفيذ قرارت كانت قد وافقت عليها سابقاً فهذا أمر جيد رغم أنه يفرض علينا السؤال المهم – لماذا كل هذا الإنتظار والتردد ما دامت حماس ستوافق في نهاية المطاف على تنفيذ دقيق لما كان قد اتفق عليه.  ألم يكن أفضل بكثير لو كانت حماس قد نفذت ومنذ زمان ما وقعت عليه في الدوحة والقاهرة؟

تحليل آخر يفيد أن سبب تراجع حماس لم يكن لأنها فجأة قررت تنفيذ ما اتفقت عليه بل لأنه تم محاصرتها مالياً وسياسياً وخاصة بعد التغيير الدراماتيكي في مصر إبان أحداث ال 30 من يونيو/حزيران الماضي وتحولات حكومة روحاني الإيرانية فضلاً عن حرب الأسد على الإخوان في سوريا.

في المقابل يبدو واضحاً أن اتفاق مخيم الشاطئ يعتبر انتصاراً سياسياً للرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي رفض بشدة أية محاولة للعودة لغزة عبر أي عمل مسلح كما ورفض في المقابل التنازل عن خيار المفاوضات.  فسياسة النفس الطويل لأبي مازن جلبت نتيجة جيدة في انتظار تنفيذ كامل  لبنود المصالحة وفي نتائج مرضية لحركته في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.

يقول البعض أن أبا مازن لم يكن قد وافق على اتفاق مخيم الشاطئ لولا وصول المفاوضات إلى طريق مسدود. الواقع والمواقف خلال السنوات الماضية ترفض هذه النظرية جملة وتفصيلاً.  فمن تنازل عن مواقفه المعلنة واستسلم هم الطرف الآخر، والإثبات على ذلك أن الرئيس قال في كلمته أمام المجلس المركزي وبعيد التوقيع على المصالحة في غزة أنه مستمر في نهج المفاوضات وأن الحكومة الجديدة ستعترف بإسرائيل وترفض الإرهاب وتلتزم بالقرارت السابقة مهما كانت النصوص التي تتشكل منها أي أن انتصار عباس كان بالتوقيع على المصالحة والاستمرار في المفاوضات. ومن المؤكد أنه في حال عودة إسرائيل عن تعنتها بإطلاق سراح الدفعة الأخيرة من سجناء ما قبل اتفاق أوسلو وتجميد الإستيطان فمن المؤكد أن أبا مازن سيعود للتفاوض حتى ولو كان في حكومته الإنتقالية وزراء من حماس رغم أن تسريبات الاتفاق تفيد أن الحكومة ستكون مهنية وستخلو من أية شخصيات رسمية من حركة حماس.

الملفت في اتفاق المصالحة الأخير هو عدم انجرار المجتمع الدولي خلف الموقف الرافض الإسرائيلي. فرئيس الوزراء الإسرئيلي صرّح أن حكومته لن تفاوض حكومة فلسطينية تتشكل أعضاؤها من حركة حماس. الإتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة في المقابل رحبت باتفاق المصالحة واعتبرته مدخلاً لقدرة الجانب الفلسطيني على التحدث باسم الضفة والقطاع وهو الأمر الذي كان صعباً في السابق. أما الولايات المتحدة وهي الشريك الرابع في الرباعية التي وضعت الشروط الثلاثة على حكومة حماس كانت معارضتها فاترة لدرجة أن الجانب الإسرائيلي انزعج من عدم وضوح الموقف الأميركي والذي شمل تسريبات من البيت الأبيض لا يرفض المصالحة ما دامت حكومة عباس تقبل شروط الرباعية.

الموقف الأميركي الخجول من المصالحة مرتبط بمواقف سابقة حيال لبنان. ففي شهر فبراير/ شباط الماضي سجلت الخارجية الأميركية على لسان وزير خارجيتها مباركة علنية لتشكيل حكومة تمام سلام  وحصولها على ثقة البرلمان اللبناني رغم وجود وزراء من حزب الله فيها.  فهل تستطيع واشنطن قبول حكومة لبنانية تشمل وزراء من حركة تعتبرها “إرهابية” في حين ترفض حكومة عباس لن يكون فيها أصلاً وزراء من حركة حماس؟

شرط أميركا وإسرائيل بضرورة اعتراف حماس بإسرائيل لا ينطبق على وضع حكومة المصالحة كما أكد المفاوضون الفتحاويون تكراراً لطرف حماس. فالدول والحكومات تعترف ببعضها البعض ولكن الأمر نفسه غير مطلوب من مكونات أية حكومة.  فالحكومات يتم تقييمها ببيانها الوزاري وسياستها العامة وليس بمواقف وزرائها.  وخير مثال على ذلك هم المتطرفون في حكومة نتنياهو الذين رفضوا ويرفضون أية مفاوضات ويطالبون بضم المستوطنات في الضفة الغربية لإسرائيل.  فهل يمكن أن تعاقب الحكومة الفلسطينية على مواقف بعض أعضائها في حين يتم الترحيب بحكومات إسرائيل المتطرفة؟

لا شك أن السياسة فن الممكن وتقلبات السياسيين سنة الحياة السياسية.  لقد تنازلت حماس عن مواقفها السابقة لضمان بقائها السياسي حتى ولو كلفها خسارة الحكم.  يبقى السؤال المهم لماذا بقيت متصلبة في مواقفها طيلة السبع سنوات السابقة والتي عان أهلنا في غزة بسببها؟  سؤال يجب أن يطرح وبقوة أمام حماس ومن يؤيدها.

 

*الكاتب صحفي فلسطيني

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .