أبريل 11 2015

الحوار المفقود

نشرت بواسطة الساعة 9:54 ص تحت فئة قضايا عربية,مقالاتي -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب

تدور نقاشات طويلة حول الوضع العربي وغياب احترام الغرب لنا ولقضايانا. وتحتشد التنظيرات حول سبب هذه الفجوة، والطريق المثلى لردم الهوة الكبيرة التي تفصلنا عن أصحاب القرار في العواصم الغربية. وقد تكون اتفاقية الإطار الأخيرة التي وقعتها خمس دول كبرى مع إيران مثالاً على ما تستطيع دولة “ضعيفة نوعاً ما” تحقيقه من خلال رؤية واضحة وإستراتيجية محكمة وتنفيذ دقيق.

إزاء إعجاب البعض بنجاح إيران في انتزاع اتفاقية تلبي هدفها بامتلاك القدرة النووية رغم المعارضة الشديدة من العالم الغربي و”إسرائيل”، إلا أننا نفشل المرة تلو الأخرى بتفيذ أهدافٍ أقل أهمية بكثيرٍ في حوارنا مع الغرب، إذ يبدو أنه حوار من جانب واحد- الجانب الآخر طبعاً.

من المؤكد أن الدول تتعامل في ما بينها ضمن رؤيتها لمصالحها، وفي درجة متأخرة تأتي قيمها المشتركة. وبما أن للدول الغربية مصالح كثيرة في منطقتنا ابتداءً من النفظ، ومروراً بموقعنا الاستراتيجي كرابط بين الشرق والغرب، إلا أننا نفشل وباستمرار في استثمار هذا الموقع، ومواردنا النفطية وغيرها من المصالح التي يمكن أن نوفرها للغرب لكي يحترمنا بدلاً من الإهانة الدائمة لنا.

يرى فريقٌ أن سبب تقهقرنا في خلق علاقة ندية مع الغرب يتمثل بوجود دولته المدللة “إسرائيل” في منطقتنا، ورغبته بدعم كل سياسات الدولة العبرية الخارجية لأسباب داخلية لديه مرتبطة بـ”لوبيات الضغط”، والإرث الديني اليهودي المسيحي وغيرها من العوامل.

سببٌ واحدٌ لا يتم التطرق إليه كثيراً هو غياب طرق الإتصال والمخاطبة مع الغرب بأسلوب مقنع وناجع بعيداً عن تسييس كل قضية ووضع ضوابط أيديولوجية تفقد أية مخاطبة من قدرتها على الوصول إلى الهدف المرجو.

ضعف أو حتى غياب الخطاب العربي الموجه للغرب لا علاقة له بالأمور التقنية واللغوية، فمن الممكن أن نخلق عشرات الصحف والإذاعات ومحطات التلفزة الناطقة باللغات كافةً في دول الغرب، لكننا نفشل في مخاطبة الغرب. الموضوع ليس مرتبطاً بوسائل إعلام أو توّفر ناطقين بلغات أجنبية، فما ينقصنا هو فكر متحضر إنساني يستطيع أن ينقل بأمانة وإخلاص ومهنية عالية آمالنا وجراحنا وتطلعاتنا، وحتى نستطيع ذلك نحتاج إلى مراجعة حقيقية وأمينة لكل مكوّنات فكرنا وثقافتنا وأعرافنا وتقاليدنا.

وجود فكر متحضر نتمتع به ونتمكّن من نقله للآخر لا يعني التنازل عن مبادئنا وحضارتنا وثقافتنا، بل يتطلب تطويرها عمودياً وأفقياً لتشكل إطاراً منتجاً يتفاعل مع العالم من منطلق الندية والإحترام، وليس من منطلق المعرفة المطلقة والتكبر على الآخر ونحن في أسوأ فتراتنا.

الإعتراف بضعفنا ونقد الذات من أهم الأسس التي من الضروري توفرها لتصميم استراتيجية جديدة يغدو الإنسان العربي بنسائه ورجاله وشيوخه وشبابه ومواليه ومعارضيه مكونات أساسية لمجتمع صحي واثق من نفسه ومستقبله، ويتطلب ذلك جرعة قوية ومرّة من الإعتراف بموقعنا المتخلف ومصائبنا التي طالما أخفيناها.

أنسنة فكرنا وثقافتنا وإعلامنا سيخرجنا من واقع “لا إنسانيتنا”، وتحوّل مآسينا إلى مجرد أرقام تتناقلها وسائل الإعلام وهي تتسارع في تغطية أخبارنا الساخنة من سوريا إلى ليبيا، ومن العراق إلى اليمن. فالإعتقالات تنعكس بأرقام، وإطلاق الرصاص على المظاهرات يترجم إلى عدد قتلى، وبراميل الموت تحصد العشرات، والعمليات الإنتحارية وغيرها تسبب الموتى والجرحى وكل ذلك يتم نقله من خلال أرقام لا حياة لها.

نحن بحاجة إلى خطاب جديد، وقبل أن نتوجه لمخاطبة الغرب يجب قلب الموازين والتحدث بصراحة وإنسانية إلى بعضنا بعضاً لعل وعسى نستطيع الخروج من إحباطنا إلى بدايات تشكيل خطاب يحترم الإنسان ويقدره ليس باعتباره رقماً عابراً، إنما لكونه أساس المجتمع والوطن الذي ننتمي إليه.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .