أبريل 14 2015

مزايا المسؤولين تجاوزٌ للدستور والمواطن

نشرت بواسطة الساعة 1:36 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

زاوية تكوين/موقع عمان نت

بقلم داود كُتّاب

أزعجني في احتفالات يوم حقوق الإنسان العربي منظر غريب منافٍ لمبدأ المساواة الذي يعدّ أهم بنود مواثيق حقوق الإنسان، فأحد عناصر الشرطة كان واقفاً أمام المصعد ليضمن بقاءه مفتوحاً، واعتذر بلطف عند التقدم نحوه، قائلاً إن المصعد “محجوز للباشا”، رغم أن الباشا لم يكن متوجهاً إلى المصعد، لكن الشرطي المطيع كان ينفذ الأوامر بدقة بأن يبقي المصعد محجوزاً بشكلٍ دائمٍ للباشا!

واجهت الأمر نفسه لدى زيارة العديد من الوزارات، إذ لاحظت وجود مصاعد مخصصة للوزراء وكبار المسؤولين تختلف عن مصاعد بقية المواطنين، ولها مفتاح خاص يكون غالباً لدى مسؤول أمني أو مرافق الوزير وكبار الموظفين.

يبدو أن المصاعد المحجوزة والمخصصة هي ضمن مزايا عديدة متوفرة لكبار الموظفين، وإن كانت المشكلة أكبر من ذلك، حيث يحصل كبار الرتب العسكرية والأمنية –مثلاً- على أكثر من سيارة بحسب رتبته، فمنهم من يحصل على سيارة خاصة إضافة إلى سيارة العمل ومعها سائق، وقد تخصص سيارة ثالثة للمسؤول الأمني أو العسكري نفسه، وبالطبع لا يمكن أن يتنقل المسؤول بأكثر من سيارة واحدة في الوقت ذاته، لذلك تكون ميزة تعدد السيارات لزوجته وأولاده!

ويوفر لأبناء المسؤولين من بعض الفئات المنح الدراسية وإعفاءات يصعب تفسيرها ضمن مبدأ المساواة والخدمة العامة التي يكفلها الدستور والقوانين ومدونات السلوك الوظيفي.

لا يكتفي بعض المسؤولين بذلك، بل قد يقبلون الهدايا التي تقدم إليهم، وهو ما يعد فساداً عند التدقيق بهذه الحالات. قد يقول البعض إن المسؤول بحاجة إلى مزايا لكي لا يضيع وقته في انتظار المصعد وفي أزمات السير، وربما تعدد السيارات له علاقة بمسألة التمويه لأسباب أمنية، لكن مثل هذه التبريرات تعارض أبسط أنظمة الخدمة العامة، ولا تنفع الإشارة إلى أن المزايا تعد تعويضاً عن انخفاض رواتب بعض الوظائف العليا، فالحل هو بتحقيق العدالة في الرواتب، وليس بمخالفة القانون من خلال منح امتيازات لا يرضى عنها المواطنون وتترك لديهم غصة لا يمكنهم تجاوزها.

لا توفر المزايا لجميع الوظائف العليا، بطيعية الحال، إذ يُحرم القضاة من السيارات، تاركاً الانطباع أن هناك استثناءات وفوارق في النظر إلى كبار موظفي الدولة.

لاشكّ أن مسؤولي الأمن وضباط الجيش والقوات المسلحة وغيرهم من مسؤولي القطاع العام يقدمون خدمات جليلة للوطن ويجب تقديرها وتسهيل عملهم، لكن الأساس في العمل العام هو المساواة وعدم تمييز مسؤول عن مسؤول أو مسؤول عن مواطن إلا بما تفرضه مقتضيات العمل.

لقد نصت المدونة الخاصة بسلوكيات الموظفين على “أن الموظف العام هو خادم للمواطن ومتلقي الخدمة وأن وجوده في وظيفته مكرس لهذه الغاية وأن السلطة الممنوحة لهذا الموظف هي لخدمتهم لا عليهم”، كما نصت المدونة “على ضرورة تحديد السلوك المتوقع من موظفي الخدمة المدنية والسلوك غير المقبول والذي لا يتوافق مع قيم الوظيفة العامة”.

المشكلة تنبع من الانطباع أن الوظيفة العامة تشكل ميزة خاصة لصاحبها، متناسين القسم الذي يتعهد به المسؤول وينص على الإخلاص للملك والحفاظ على الدستور ثم يأتي البند المتعلق بالخدمة العامة حيث ينص “أن أخدم الأمة وأقوم بالواجبات الموكلة إلي بأمانة”.

إن مبدأ الخدمة العامة شرف ومسؤولية وعلى من يتبوأ منصباً إدارياً أو عسكرياً أو أمنياً أن يتذكر مدونات السلوك والقسم، ويكون خادماً للمواطنين لا مميزاً عنهم، سواء أكان ذلك في مصعد خاص أو سيارة إضافية أو عشرات المزايا التي لا نعرفها، لكنها تؤثر في مدى ولاء المواطنين ومشاركتهم الفعالة في مجتمعاتهم.

تكريس وجود شخصيات مهمة (VIP) ليس مبدأ دستورياً أو قانونياً، ولا يوجد بند واحد في الدستور والمدونات العامة يعتبر أن للمسؤول من فئة معينة مزايا خاصة سوى تلك المتعلقة بطبيعة عمله.

الإصلاح السياسي والإداري ليس مرتبطاً بتغيير قوانين الانتخابات والأحزاب فحسب، إنما بممارسات المسؤول على الأرض، وبضرورة تفعيل مبدأ الخدمة العامة بدلاً من مزايا تسيئ لصورة الوطن ومسؤوليه.

 

  • داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .