مارس 17 2015

كيف يمكن كسب المعركة الأيديولوجية ضد التطرف

نشرت بواسطة الساعة 12:23 م تحت فئة قضايا عربية,مقالاتي,اﻷردن -

موقع دوت مصر

بقلم داود كُتّاب

من المؤكد أن الحرب العسكرية على داعش ستنجح إلى حد كبير في عام 2015.  الغضب الذي اجتاح الأردن بعد أن علم بالجريمة البشعة ضد الطيار معاذ الكساسبة سيعمل بالتأكيد على ضمان حسم المعارك عسكرياً.  ومع ذلك لا أستطيع القول أنه لدي نفس الثقة بمثل هكذا نجاح في ما يخص الحرب الأيديولوجية على التطرف.  ينبغي أن يتم خوض كلتي المعركتين، العسكرية والأيديولوجية، في وقت واحد إلى أن يتحقق النصر.

الظهور العلني للخليفة الذي بايعه تنظيم داعش قد قدّم للتحالف العربي والغربي هدفاً ملموساً واضحاً يمكن أن يُهزم.  إلا أن إيجاد الأسباب غير الملموسة التي أعدت البيئة الحاضنة لهؤلاء المتطرفين وإمكانية إلحاق الهزيمة بها إنما يحتاج إلى استراتيجية فعالة.

لمحاربة التطرف الأيديولوجي في الشرق الأوسط ينبغي الإنطلاق من الشباب. ومن الأهمية بمكان أن يتم إعطاء الشباب العربي/المسلم إجابات مرضية لاحتياجاتهم الإقتصادية والإجتماعية والروحية.  التحدي صعب وليس هناك حلول سحرية.

إذا كان بالإمكان استخدام جزء مما ينفق لهزيمة داعش عسكرياً لتوفير الفرص الإقتصادية عندئذ يمكن القضاء على مصدر رئيسي للغضب في صفوف الشباب.  يجري إضافة الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنوياً إلى سوق العمل غير القادر على توفير فرص عمل لهم بمعدلات تنذر بالخطر.  في عام 2012 قدّر صندوق النقد الدولي أن معدل البطالة وصل إلى 25٪  وبذلك يكون معدل البطالة في المنطقة من  أعلى مستوياته عالمياً. ولقد ازدادت الحالة سوءً منذ ذلك الحين.

إذا ألقينا نظرة على الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وغالباً ما تكون مأساوية فإنها خير دليل على هذه المشكلة.  لقد حاول 100,000 مهاجر عبور البحر الأبيض المتوسط بطريقة غير شرعية فقط خلال الفترة من شهر كانون الثاني/يناير إلى شهر تموز/يوليو 2014. هذه المسألة تحتاج إلى أن يتم معالجتها من جانبَي البحر الأبيض المتوسط.  بالإضافة إلى توفير فرص عمل في المنزل، فإن أوروبا والتي سكانها هم أكبر سناً ولديها العديد من فرص العمل تحتاج إلى تخفيف القيود على سياساتها للمساعدة في أعباء هذه المعضلة الضخمة من العرب والمسلمين العاطلين عن العمل.   

وفي الوقت نفسه يجب ألا تسمح الدول الغربية بأن يشعر المهاجرون الجدد (سواء كانت الهجرة قانونية أو غير قانونية) أنهم غرباء وغير مرغوب بهم، وإلا فإنهم سوف ينضمون إلى أية حركة متطرفة مهتمة بتجنيدهم.

كما أنه يجب على الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً أن تستحدث تغييرات اقتصادية رئيسية من شأنها أن تساعد في استيعاب هذا النمو وهذا الغضب الطبيعي لجيل الشباب الجديد العاطل عن العمل.  يجب أن يُستثمر جزء من الثروة السيادية الواسعة في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تقدّر بنحو 1.7 تريليون دولار، في خلق فرص عمل، بدلاً من تخزينها  في الصناديق السيادية أو المستثمرة في الأسهم والاستثمارات ذات الأرباح العالية في جميع أنحاء العالم.  يتعين على الدول الغربية أيضاً الإستثمار في البرامج التي تخلق فرص عمل في منطقة الشرق الأوسط بدلاً من إضاعة أموالهم في حروب جديدة.

ولكن توفير الوظيفة للشباب العربي والمسلم الغاضب ليس هو كل ما يحتاجه.  يجب استخدام جهود قوية لتلبية تطلعات الشباب القادرين من خلال ثورة المعلومات معرفة ماذا يعني أن تعيش في مجتمع حر ومفتوح.  الحكام المستبدون والسياسات غير الديمقراطية التي تقوم باسم الأمن أو مكافحة التطرف، من شأنها أن تنفر هؤلاء الشباب.  النضال الفلسطيني وكذلك تطلعات الأقليات في مختلف الدول العربية جميعها تحتاج إلى الحل السريع من أجل إزالة هذه الصراعات الوطنية المنتجة للسموم. مكافحة الإرهاب العنيف، كما هو الحال في مصر، لا ينبغي أن تُستخدم لتبرير أشكال حقيقية من الإحتجاجات والمعارضة.

ولعل أهم جانب من جوانب هذا الصراع الأيديولوجي هو الحاجة إلى تلبية الإحتياجات العاطفية والروحية.

العرب والمسلمون يشعرون بأنهم أمة مهزومة ويتحمسون بسهولة عندما يرون النجاحات القصيرة المدى من حركات عنيفة مثل داعش.  وهزيمة المتطرفين عسكرياً دون تلبية هذا التوق للنجاح سوف تثير المشكلة  أكثر حتى ولو كان لكسب الوقت.  الشباب الغاضب والمهزوم سوف ينضم بدون شك إلى المجموعة التالية من المتطرفين الذين سوف يبهرهم نجاح قصير المدى.

الشباب الذي يبحث عن قدوة ناجحة يحتاج إلى قادة روحيين حقيقيين يعاملوهم باحترام ويخاطبون عقولهم وقلوبهم على السواء. تفتقر المنطقة والمؤسسات الحكومية الدينية السائدة إلى هذا المستوى من النهج الروحي وهو وضع يجعل القادة الدينيون المتمردون يحظون بشعبية كبيرة وخطيرة جداً.

في حين أن التوجه إلى الشباب يحتاج إلى تفكير عميق وإلى معالجة احتياجاتهم بفعالية فإن استخدام وسائل الإتصالات الصحيحة لا يقل أهمية للوصول إليهم.  ولا يعقل أنه في القرن الحادي والعشرين عندما يستخدم المتطرفون أحدث أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية، نجد أن الناس الطيبين ما زالوا يرسلون رسائل ضعيفة مستخدمين أدوات مماثلة يصممها ويوافق عليها رجال أكبر سنا بكثير من الجمهور المتلقي.  يجب إحداث ثورة حقيقية بالرسالة والوسيط إذا أردنا أن تكون هناك فرصة للوصول إلى الجمهور المستهدف بشكل فعال.

قد تنتهي الحرب الحالية على التطرف  بنصر عسكري ولكن بهزيمة أيديولوجية. وهذا يعني أن المتطرفين الذين تراجعوا وهزموا سوف يبحثون عن موقع آخر ووقت آخر لإعادة الحرب. هناك حاجة إلى استراتيجية أفضل بكثير للفوز بالحرب العسكرية والأيديولوجية في آن معاً. وهذا يتطلب الخروج من النمط المعتاد والتفكير بحرية دون قيود بآذان مفتوحة لتسمع الشباب (وليس فقط لتصغي إليهم) كما يتطلب أيضاً إرادة سياسية شجاعة للقيام بما هو مطلوب لعكس الوضع الحالي الذي يؤيد الأشخاص الخطأ وأفكارهم المظلمة المشؤمة.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .