فبراير 22 2015

حكومةٌ تصادر حرية الإختيار

نشرت بواسطة الساعة 3:20 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

بقلم داود كُتّاب *

لا شك أن للسلطة التنفيذية، في كلّ الدول، دورها المهم في تسيير الأمور واتخاذ قرارات تؤثر على جمهور عريض من الناس، ومن المؤكد أنّ هذه القرارات لن تسر الجميع، لذا فإن امتياز إصدارها يجب أن يُتخذ بحذرٍ شديدٍ، وبأعلى درجات التنسيق مع ممثلي الشعب والفئات ذات الصلة في محاولة دائمة إلى تحقيق توازن يحفظ توفير خيارات متعددة للمواطنين بعد تحذيرهم.

أعلن رئيس الوزراء، الأربعاء الماضي، عن تبكير نهاية الدوام الرسمي للمؤسسات الرسمية إلى الساعة الثانية عشرة، ووفق تعميمٍ سابقٍ جرى التأكيد أن القطاع الخاص ملزم بتنفيذ القرار الحكومي، وعليه تعويض العاملين لديه ممن تتطلب طبيعة عملهم دوام أيام العطلة بأن يُدفع إليهم بدل عمل إضافي.

قرارات الحكومة سارية المفعول على القطاع الخاص لم تتخذ بالتنسيق مع ممثليه من غرف تجارية ونقابات واتحادات وغيرها، رغم أن ما يصدر عن “الدوار الرابع” من المفترض أن يُطبّق حرفياً عليها من دون استثناء.

قد يكون القرار الرسمي سليماً، غير أن المشكلة تكمن في العقلية التي لا تزال تعتقد بأن الحكومة تعلم، وحدها، مصلحة المواطن ولا تترك له حق الاختيار، وحتى الحق في أن يخطئ أحياناً، وهو تعبير عن نظامٍ مستبدٍ يتحكم في مناحي الحياة كافةً.

عودة إلى “واقعة” الأربعاء، فإن الأمر لم يبق محصوراً باختصار ساعات دوام الخميس، إنما أُعلن في مساء اليوم ذاته، ومن دون إبداء الأسباب، ومن غير التنسيق مع القطاع الخاص عن تعطيلٍ كاملٍ يوم الخميس، وهو ما شكّل إرباكاً إذ لم يعرف عن هذا القرار المتعجل، الصادر بعد انتهاء الدوام الرسمي، بعض العاملين في منشآت خاصة، الذين تفاجأوا حين وصولهم إلى أماكن عملهم صباح الخميس أن زملاء لهم تعطّلوا عن العمل.

الأكثر غرابة أن تساقط الثلوج، الذي أكد عليه جميع المتنبئين، لم يشمل العاصمة قبل نهاية الدوام الرسمي، ولو التزمت الحكومة بقرارها السابق كان من الممكن أن يداوم الموظفون أربع ساعات عمل بيسرٍ، ويعودوا إلى بيوتهم قبل هطول أول زخات المطر أو الثلج.

رئيس الوزراء أكد في مؤتمر حول مكافحة التطرف، انعقد منذ أيام، عزْم الأردن المضي قدماً في تطوير أطر الحكم، ومنه استمرار التقدم نحو الحكومة البرلمانية التشاركية الكاملة مع النواب، وإقرار قانون اللامركزية وتعديل قانون الانتخابات بقانون أكثر تمثيلاً للمجتمع.

هل ترتبط التشاركية واللامركزية بالأمور السياسية العامة ونسبة الضرائب والموازنات السنوية فقط؟ أم هناك حاجة إلى تطوير الأطر والعقليات التي تحكم بحيث تكون أكثر حساسية وتفاعلية ومشاركة للمجتمع، وتوفر خيارات أكثر بعيداً عن سياسات الإملاءات.

كنا نسمع عبر وسائل الإعلام، منذ وقت قريب، تعميمات وزير التربية تسمح لمدراء التعليم في كل محافظة تحديد ما إذا كان هناك حاجة لتعطيل مدارسها أم لا، ومع قدوم عاصفة هدى انطلقت القرارات والتعميمات المركزية لرئيس الوزراء، ومنها القرار الأخير بتعطيل الدوام، حيث أجمع اختصاصيون ومراقبون أنه يشكّل ضرراً وخسارة مالية للقطاع الخاص، فهل من جهة حكومية تعوض تلك الخسارات؟

وجود رئيس وزراء حازم وقادر على اتخاذ قرارات صعبة يعد ميزةً مهمةً في حال صدورها بعد تشاور وتنسيق مع فئات المجتمع وممثليهم، وأن تكون مبنية على أساس منطقي لا على رغبةٍ بتقليل عدد السيارات في الشوارع قبيل وصول العاصفة.

على السلطة التنفيذية أن تفرّق بين مسألتين اثنتين: تحذير المواطنين وتنبيههم، وبين فرض قرارٍ ملزمٍ لا يتخذ إلاّ في حالات استثنائية وبعد تفكير وعناية وتنسيق، وأن تعي الحكومات بأن تدخلها المتواصل في حياة المواطنين قد يضر بمصالحهم، حتى لو ادعت الحكومة خلاف ذلك.

يتحقق الحكم الرشيد والعادل عبر التوافق بين رؤية الدولة وبين حق الاختيار للشعب في سبيل اتخاذ قرارات من شأنها تحقيق المصلحتين الخاصة والعامة، لا من منطلق تخفيف الأعباء عن الحكومة.

* داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

 

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .