فبراير 03 2015

كيف تكون الرقابة مقبولة؟

نشرت بواسطة الساعة 12:22 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

بقلم داود كُتّاب *

قد يُفاجأ القارئ بعنوان المقال، فليس بالسهولة أن يقبل صحفيٌ مؤمنٌ بحرية التعبير والصحافة أي نوع من الرقابة. وأعي تماماً كيف تستغل الحكومة وأفراد وعشائر لا يروق لهم التبادل الحر للمعلومة والرأي مثل هذه الفرصة لتصفية الحسابات مستفيدين من أمر طارئ عليه إجماع وطني.

الصحفي، مثل بقية المواطنين، جزء من المجتمع والوطن، ويُفترض أن يعرف جيداً بأن الإعلام مرآة المجتمع يعكس أمانيه وتطلعاته وتحدياته، كما يترجم أهدافاً عامة تتمثل بالعقد الاجتماعي المقنن في دستورٍ وقانونٍ، لذلك ليس من الخطأ الموافقة على تقييدات تصب في خدمة المصلحة العامة والأهداف السامية للمجتمع والدولة.

تأتي هذه المقدمة في مرحلة بالغة الحساسية والتعقيد يمر بها الأردن، وتحتاج منّا رباطة جأش والعمل من أجل المصلحة العامة، وهو ما ينطبق على الإعلام ويتطلب قيوداً معينة عليه لفترة محددة.

الموافقة الطوعية على رقابةٍ ذاتيةٍ، محدودة الغاية والمدة، تستدعي من أصحاب القرار مجموعة من الاستحقاقات يجب الالتزام بها لإنجاح هذا الجهد الجماعي. فمن بديهيات التوافق الطوعي على رقابة ما أن يكون المسبب والهدف واضحيْن، وأن لا يجري استغلال الظرف لتصفية حسابات قديمة أو تفضيل جهة إعلامية على أخرى.

في لحظة الاتفاق على مثل هذا النوع من الرقابة يجب على الطرف الآخر أن يتوقف عن أي محاباة أو تمييز، وعلى الدولة أن توحد تعاملها مع الإعلام بمكوناته كافةً. وحين يوافق الناشر على عدم نشر معلومة فإنه يكون قد وافق على تجميد مؤقت للمنافسة الإعلامية، واحترام هذا الموقف يستلزم عدالة في التعامل وتوفير المعلومة لجميع المكونات، فلا يحصل طرف على سبق صحفي على حساب أطراف أخرى.

وفي مقابل تقييد النشر يجب ألاّ تستخدم الدولة أجهزتها لحبس الصحفي المخالف عبر قانون مكافحة الإرهاب الذي لا صلة له بالقوانين الناظمة للإعلام، فمعاقبة المخالفات الإعلامية مسألة ينظمها قانون المطبوعات والنشر والتوجيهات الملكية التي تحرّم إيقاف أو حبس الصحفي على خلفية الرأي أو مادة منشورة مهما كانت، إذ يقرّ القانون المعني إمكانية وقف أو حجب الوسيلة الإعلامية المخالفة أو تغريم الصحفي أو الناشر، لكن الايقاف غير متضمنٍ به، واستخدام قانون آخر للانتقام من الإعلام والاعلاميين يُفسد فكرة الموافقة الطوعية على تقييد معين بسبب طارئ وطني.

هناك ضرورة لوجود توافق ما بين الجهات الرسمية والإعلامية حول الظروف الموجبة لإجراءات الاستثنائية ومدتها. ولاشك أن أمراً خطيراً متعلقاً بالقوات المسلحة أو مفاوضات مع طرف معادٍ يتطلب توافقاً طوعياً يشمل، إن كان ضرورياً، تقييداَ محدداً للنشر.

غياب الثقة بين القطاعين العام والخاص، وبين الدولة والإعلام يحول دون حصول توافق بينهما، وتزداد المسألة تعقيداً حين تسارع الدولة عبر هيئة الإعلام بإصدار تعميمات واسعة وشاملة لأمور لا تقع ضمن ما يمكن اعتباره “المصلحة العليا للدولة”.

قد تستدعي الأوقات الحرجة تشكيل جسم معين من قِبل الدولة والناشرين والصحفيين، ويكون ممثلاً بصورة حقيقية لهذه الجهات، ويقوم بتوفير المعلومة الصادقة والمبررات الحقيقية لأي طلب تقييد عمليات النشر.

إن الأصل في حرية التعبير هو الإباحة، لكن الظروف الطارئة قد تخلق حاجةً إلى تقييد للنشر يكفله توافق حقيقي لمدة محددة ولا يعتمد التمييز والمحاباة بشرط عدم معاقبة أي مخالف من خلال الإيقاف أو الحبس، ولا يستغل الموضوع لتصفية حسابات وانتقام من خصوم سياسيين.

*مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .