يناير 18 2015

حضور قادة العالم في باريس ينطوي على مسؤوليات

نشرت بواسطة الساعة 1:49 م تحت فئة مدونتي -

AlHayat

بقلم داود كُتّاب

ملأ نشطاء الإعلام الإجتماعي الفضاء الإلكتروني بالتعليقات والحجج حول المبرر لوجود أو ضرورة غياب هذا القائد أو ذاك في التظاهرة التي تمت في باريس دعماً للشعب الفرنسي نتيجة للفعل الوحشي الذي أدى إلى مقتل الصحفيين ورسامي الكاريكاتور ورجال الشرطة والمتسوقين اليوميين في متجر يهودي.

تعرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس للهجوم لذهابه إلى باريس في وقت يتفادى فيه الذهاب إلى غزة. والملك عبد الله الثاني تعرض أيضاُ للهجوم لحضوره المسيرة الفرنسية في حين أن حكومته لا تتقبل الرأي الآخر ولا تؤيد دائماً مبادئ حرية التعبير.

عندما يتخذ رؤساء الحكومة قرارات مثل تلك التي اتخذت في الأسبوع الماضي هناك بالطبع العديد من الإعتبارات التي تؤخذ بالحسبان. وعندما تدعو دولة عظمى مثل فرنسا للدعم العالمي يتعين على قادة العالم إظهار تضامنهم من خلال المشاركة الفعلية.

في ما يخص الملك عبد الله الثاني والملكة رانيا فإن حضورهما في فرنسا كان له أدوار متعددة.  لم يكن فقط لإظهار التأييد العلني للشعب الفرنسي المحزون فحسب، بل هو حضور يدعم الإسلام المعتدل أيضاً.  العاهل الأردني وهو السليل المباشر للنبي محمد والراعي لرسالة عمان حول  حوار الأديان كان يحتاج لأن يكون له حضور في مثل هذا الحدث.  وقد أظهر رد فعل المجتمع الإسلامي الفرنسي أن حضور الملك والملكة كان خطوة إيجابية على الرغم من المخاطر والانتقادات.

وعلى نحوٍ مماثل، فإن حضور عباس الذي تلقى دعوة مباشرة من قصر الإليزيه (بعد إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالحضور) يمكن تفسيره وتبريره بشكل واضح.  كانت فرنسا ولا تزال من أشد المؤيدين للحقوق الفلسطينية.  صوّت البرلمان الفرنسي قبل شهر واحد فقط لصالح قيام دولة فلسطينية والممثل الفرنسي في مجلس الأمن صوّت إيجاباً على مشروع قرار أردني يدعو إلى وضع جدول زمني لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي دام 47 سنة.  

الحضور الجليل لعباس في باريس عزز شرعية السعي الفلسطيني لإقامة دولة، كما أن حضور القائد الفلسطيني مع قادة العالم في باريس ما هو إلا إعلان ضخم للدعم الدولي للشعب الفلسطيني ولحقه الشرعي في قيام دولة لهم.  لكن على الرغم من المبررات لحضور هؤلاء القادة في باريس، فإنه من المهم أن نتذكر أن السبب الرئيسي لمسيرة باريس كان إعلاناً لدعم حرية التعبير. لا ينبغي أن تكون هذه الحرية احتكاراً للدول الغربية.  أكد المجتمع الدولي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن الحق في التجمع والتعبير هو حق من حقوق الإنسان ولكل شخص ومجموعة  التمتع به.

ويتعين على قادة العالم الذين أمسكوا بأيديهم في مظاهرة باريس أن يتذكروا أن التزامهم بدعم حق الصحفيين ورسامي الكاريكاتور الفرنسيين للتعبير عن أنفسهم حتى باستخدام لغة هجومية وتصويرية ينطبق عليهم أيضاً. بعد 11 كانون الثاني/يناير لا يعقل أن يستمر قادة العالم في غض النظر عن القيود والإنتهاكات المفروضة على حرية التعبير في جميع أنحاء العالم. الإفلات من العقاب الذي شهدناه من حيث اعتبار أفراد وحكومات مسؤولين عن انتهاك حقوق الصحفيين في التعبير عن أنفسهم لا يمكن أن يستمر أكثر من ذلك.

القادة الذين ذهبوا إلى باريس للتعبير عن دعمهم للشعب الفرنسي تعهدوا تلقائياً لشعوبهم وللمجتمع الدولي بأن حق التعبير والتجمع غير القابل للتصرف مضمون أيضاً في بلدانهم مثلما ينطبق على الصحفيين الفرنسيين ووسائل الإعلام الغربية. المعايير المزدوجة والنفاق التي كان يسمح لها بالإستمرار سابقاً ينبغي أن يوضع حد لها وأن يدرك القادة بأن العالم الذي شهد دعمهم لحقوق صحيفة ساخرة في فرنسا لن يقفوا مكتوفي الأيدي في المرة القادمة عندما يتم سجن صحفي عربي بسبب ما يقوله أو يكتبه مما لا يرضي هؤلاء القادة أنفسهم.

كانت أحداث الأسبوع الماضي في فرنسا مأساوية حقاً وتطلبت استجابة كبيرة. ولكن الآن وبعد أن عبّر العالم عن دعمه لحرية التعبير، فإنه ينبغي علينا نحن شعوب العالم أن نطالب قادتنا بنفس القيم ونصرّ عليها عندما يتعلق الأمر بالحق ذاته في بلداننا. وأن أي شيء أقل من ذلك سيكون عاراً على رسامي الكاريكاتور الفرنسيين وغيرهم ممن ضحوا بحياتهم من أجل هذه الحرية. والآن نحن جميعاً أمام مسؤولية مشتركة للحفاظ على هذه الحريات لجميع شعوب العالم.

 

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .