يناير 05 2015

حين تكون الأغلبية مخطئة

نشرت بواسطة الساعة 11:52 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

بقلم داود كُتّاب *

من بديهيات الإصلاح السياسي اعتماد حكْم الأغلبية في أمورٍ تهم المجتمع، لكن ثمة قضايا ومواقف لا تصّح فيها هذه القاعدة، فالأغلبية أحياناً تكون على خطأ، وتقتضي الحاجة قرارات واعيةٍ من قيادة تمثّل الشعب، وطبعاً ليس الشعب بأكمله. وهذا بالضرورة لا يعني ما يقوله البعض أننا شعوب عربية غير ناضجة بصورةٍ كافيةٍ للديمقراطية، غير أنها خلاصة تحضر حين تغلب الغوغائية والشعبوية في التأثير على الرأي العام بطريقةٍ مبالغ بها.

مبدأ الأغلبية منوطٌ بمسائل أساسية، وأهمها ضرورة وجود معرفةٍ كافيةٍ لدى المواطنين في حال جرى الاستماع إلى رأيهم، فلا يكفي –مثلاً- استفتاء الأردنيين صبيحة تنفيذ قرار إعدام 11 محكوماً فقط من خلال سؤالهم ما هو رأيك بتنفيذ عقوبة الإعدام!

هناك العديد من الأمثلة، التي يمكن الاستعانة بها، لإثبات أن رأي الشعب قد يكون بالفعل خاطئاً، وحتى يُعتمد رأي الجمهور بصورةٍ قاطعةٍ يجب أن تتوفر لديه معلوماتٍ صحيحةٍ، ويؤسس حوارٌ مفيدٌ يستشار الاختصاصيون خلاله.

من المعروف عبر التجارب العالمية على مرّ التاريخ أن زعيماً غوغائياً يُمكنه أن يحرك ويغيّر نظرة الجماهير باستخدام الإعلام الموجه وتوفير معلوماتٍ محددةٍ وغير موثقةٍ.

قبل أسابيع من تنفيذ قرار الإعدام خرج علينا وزير الداخلية بتصريح من دون مقدماتٍ في مجلس النواب يفيد أن هناك حاجة لإعادة تنفيذ حكم الإعدام، لأن الإجرام قد زاد في الأردن، وأن هناك حاجة إلى عملية ردع المجرمين لإعادة هيبة أجهزة الأمن.

المعلومات التي أعلنها الوزير لم تُسند بأية وثائق أو أرقام تؤكدها، فهل زاد الإجرام فعلاً؟ وهل زادت عمليات القتل العمد واغتصاب القاصرات (وهما الجرمان اللذان يحاكمان بالإعدام)؟ والأهم ما هي الوقائع وأين الدراسات التي تثبت أن تنفيذ الحكم سيوفر الردع؟

تدل إحصائيات عالمية أن الأمر ليس بهذه البساطة والسهولة، فتنفيذ حكم الإعدام في ولاية تكساس الأميركية –على سبيل المثال- لم يؤثر في تغيير نسب الإجرام. كما يفيد الاختصاصيون أن زيادة أو نقصان الإجرام بما فيها الجرْم المسبب لقرارت الإعدام تعتمد على مجموعة كبيرة من العوامل الإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية، وأن من يتجه إلى الإجرام نادراً ما يفكر إذا كان سيجري معاقبته بالإعدام أم لا.

هل الأغلبية دائماً على حق؟ الجواب يعتمد على عوامل عدّة، وأهمها وجود فرص متساوية لأصحاب الرأي المؤيد والمعارض بأن يوضحوا مواقفهم بحرية ومساحةٍ زمنيةٍ كافيةٍ، وأن تُوّفر الإحصائيات العلمية الضرورية لكي يستطيع المواطن أن يتخذ القرار السليم.

وتتسم الاستفتاءات، التي تعتمد على أسئلة عابرة، بغياب النظرة الشمولية، فهناك فرق كبير، مثلاً، بين سؤال للمواطن إن كان مع أو ضد العقوبة، وبين سؤاله هل ترغب أن تكون القوانين الأردنية المتعلقة بالإعدام مطابقة للمعايير الدولية أو مشابهة لغالبية دول العالم أم فقط الدول الشمولية؟ أو يُسأل المواطن إن كان مع تنفيذ العقوبة في غياب نتائج علمية حول تأثيرها في تقليل الإجرام؟

عند اتخاذ القرارت الشعبية يكون عامل الزمن مهماً من أجل دراسة وتبادل الآراء بحريةٍ، وتوضيحه من خلال الإعلام المهني، الذي يوفر معلومات وتحليلات تفيد المجتمع وتساهم في تقدّم الديمقراطية.

هناك مواقف تستدعي اتخاذ رئيس التحرير أو المحرر الليلي أو مخرج النشرة الإخبارية قرارت سريعة شبه دكتاتورية، وفي الدقائق الأخيرة قبل الذهاب إلى المطبعة يضطر المحرر لقرارٍ فردي؛ إذ من المستحيل أن يتأخر لمعرفة رأي شريحة واسعة من الإعلاميين. وفي البرامج التلفزيونية الحيّة يضطر المخرج والمنتج لتقصير مقابلة ما أو السماح لها بالاستمرار لأسبابٍ فنيةٍ لا يمكن أن تخضع لمناقشات اللجان، فهل يعني ذلك أن المحرر أو المخرج غير ديمقراطي؟ الجواب لا. فعملية الإخراج الإعلامي قد تُناقش في ما بعد، وقد يكون هناك حاجة لنقد المحرر أو مدح قراره السريع، لكن من المستحيل أن يحدث التأخير بذريعة المشاركة الكاملة لعناصر الإعلام كافةً.

يختار المواطنون ممثليهم لسببٍ بسيطٍ؛ إذ لا يتوافر لديهم الخبرة والمعرفة الكافية للخوض في تفاصيل معقدة ضمن مواضيع حساسة، ويجب أن يتحلى ممثل الشعب بنسبةٍ معقولةٍ من التعليم الأكاديمي والخبرة الميدانية والحنكة السياسية والقدرة على تحليل الواقع تؤهله اتخاذ قرارٍ يكون له تأثير على مجمل حياة المواطن والوطن.

* مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

 

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .