ديسمبر 30 2014

عقوبة الإعدام في الأردن

نشرت بواسطة الساعة 2:36 م تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

موقع دوت مصر

بقلم داود كُتّاب

من حيث المبدأ أعارض عقوبة الإعدام  في كل زمان ومكان.  في الأردن فأنا أكثر معارضة لتنفيذ هذه العقوبة غير الإنسانية وذلك لعدة أسباب.

من بين الأسباب الرئيسية التي بسببها يعارض الناس عقوبة الإعدام هو حقيقة وجود فرصة  للوقوع بالخطأ القضائي. فعلى مر التاريخ، فإنه قد تبين أن العديد من الإدانات المؤكدة بتهمة القتل ثبت لاحقاً أن المتهمين أبرياء.  وقد أظهر تطوير اختبارات الحمض النووي أن بعض الهيئات القضائية ذات المصداقية العالية في العالم قد ارتكبت أخطاء في الحكم أدت إلى هذه العقوبة التي لا يمكن عكسها إذا ما تم تنفيذها.

في الأردن، يحظى القضاء باحترام الناس إلا أن القضاء الأردني كغيره غير معصوم عن الخطأ.  في الواقع، منذ أسابيع انكشفت فضيحة قيل إنها أدت إلى تقاعد مبكر لخمسة من كبار القضاة مما يعني أن هناك إمكانية الوقوع بخطأ قضائي. إن الإحتمال أن يؤدي حكم قضائي خاطئ إلى إنهاء حياة شخص ما ولو بنسبة 1٪ هو سبب كاف للإمتناع عن تنفيذ هذه العقوبة القاسية.

المشكلة الأخرى التي تحتاج إلى معالجة هي مشكلة العقاب المزدوج. الحقيقة أنه بعد تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام لمدة ثماني سنوات يعني أن أولئك الذين تم شنقهم في الأسبوع الماضي قد عوقبوا مرتين. بحسب القانون الأردني والمبادئ العامة للعدالة فإن معاقبة الشخص مرتين على نفس الجريمة يعتبر غير مقبول. إن استبدال عقوبة الإعدام على نحو فعّال بسجن طويل الأمد وبعد ذلك عكس هذا الحكم على نفس الفرد يعني أن أولئك الذين عانوا من السجن الطويل الأمد ومن عقوبة الإعدام كانوا ضحايا لهذا العقاب المزدوج غير القانوني. 

ولكن ربما المشكلة الأكبر لعقوبة الإعدام، خاصة في منطقتنا العربية تكمن في المفهوم الخاطئ بأن هذه العقوبة سوف تردع وستقلل من حدوث الجرائم.  ليس هناك من دليل علمي على هذه الحجة. وقد أظهرت جميع الدراسات أن دوافع الجريمة كثيرة وأن أولئك الذين يقومون بأعمال قد تؤدي إلى حكم الإعدام سيستمرون في ذلك بغض النظر عما إذا كان تنفيذ عقوبة الإعدام يتم تنفيذها أم لا.

الخبراء يشيرون إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها في ارتفاع معدلات الجرائم ويوفرون عدداً من السبل العملية الفعالة لمكافحة الجريمة الخطيرة دون الحاجة إلى استخدام عقوبة الإعدام.

لقد أضاف القرار المفاجئ بتنفيذ حكم الإعدام على أحد عشر سجيناً صباح يوم الأحد في 21 كانون الأول/ديسمبر نقطة سوداء على سجل حقوق الإنسان في الأردن.  فقد كشف عن الفجوة الواسعة بين ما يقوله الأردن وقادته علناً في العواصم الأجنبية مقارنة مع ما يجري على أرض الواقع.  الأردن من الدول الموقعة على عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تحظر بوضوح تنفيذ عقوبة الإعدام. قد يكون المجتمع الدولي قد أخطأ في السنوات الأخيرة عن طريق غض النظر عن العديد من الانتهاكات الأخرى للمعايير الدولية في الأردن للمصلحة السياسية.

إن صمت المجتمع الدولي على قضايا مثل القيود المفروضة على حرية التعبير وإضفاء الطابع المؤسسي على عدم المساواة بين الجنسين وعدم وجود آليات فعالة لمنع التعذيب وغيرها قد شجع الحكومة على التفكير بإنه يمكنها الإفلات من المزيد من الإنتهاكات لمعايير القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة.

تنفيذ عقوبة الإعدام شكلت خيبة أمل كبيرة لكثير من الأردنيين المعارضين لهذه العقوبة القاسية ومما لا شك فيه أنها ستؤدي إلى تجديد في الجهود الرامية إلى إجراء تغييرات قانونية ودستورية في الأردن للقضاء على هذه الطريقة  في إنهاء الحياة والعقاب غير الضروري.

ليس من الضروري أن ما يبدو دعماً شعبياً كبيراً من أجل تنفيذ عقوبة الإعدام سيقلل من حماس الأردنيين ونشطاء حقوق الإنسان لمكافحته.  تاريخياً، فإن جمهوراً غير مطلع يقوده شعور شعبي يمكن أن يدعم بصورة عمياء أعمالاً مثل عقوبة الإعدام ضد المجرمين.  السبيل الوحيد لمواجهة هذه الغوغائية غير المدروسة هو أن يتخذ المثقفون والقادة الحقيقيون في المجتمع موقفاً علنياً من أجل ما هو حق بدلاً من اتباع عقلية القطيع التي غالباً ما تنجر وراء أعمال مثل هذا العمل الشنيع بحق إنسان خلقه الله.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .