يونيو 01 2014

زيارة البابا والنجاح الباهر

بقلم داود كُتّاب

لاقت زيارة البابا فرانسيس إلى الأردن وفلسطين نجاحاً هائلاً على كل المستويات. كل شيء تم إنجازه كما كان مخططاً له خلال 26 ساعة بينما عملت بضع اللحظات غير المخطط لها بشكل جيد لنقش ذكريات وصور ستستمر لفترة طويلة.

وصفت الزيارة بأنها رحلة حج إلى الأراضي المقدسة والشعار الذي اختارته الفاتيكان هو “الوحدة” في إشارة إلى الاجتماع التاريخي مع رئيس الكنيسة الأرثوذكسية العالمي في القدس.  كان هدف الرحلة بعد خمسين سنة من اجتماع مماثل مع البابا بولس السادس هو إحياء روح الوحدة بين المسيحيين من مختلف الطوائف ومحاولة للتواصل بين الأديان كذلك.  رافق البابا فرانسيس رجلا دين، مسلم ويهودي، من البرازيل وروح الوحدة كانت واضحة في مختلف الاجتماعات والعظات.  ولكن أبرز الأحداث في هذه الرحلة بأكملها لم يكن مخططاً لها أو متوقعة أو تم الإعداد لها. قرر البابا ألا يعبر أية نقطة تفتيش للدخول إلى دولة فلسطين وهكذا فإن فكرة صورة رد فعل البابا تجاه الاحتلال أو أمام الجدار تم تجاوزها، كما اعتقد البعض، بالقرار الذي اتخذ بزيارة فلسطين في طائرة هليكوبتر عسكرية أردنية.

ولكن وبينما كان يجول الحبر الاعظم في سيارته المكشوفة في بيت لحم، مرّ بمدخل مخيم عايدة للاجئين ولاحظ الجدار. من الصعب ألا ينتبه أي شخص إلى جدار العشرة أمتار ولعله من الأصعب على البابا اليسوعي الذي يتعاطف مع الضعفاء والمظلومين ألا يتوقف.

للتخفيف من أثر صورة البابا والجدار، فإن ماكنة الإعلام الإسرائيلية حاولت أن تظهر أن الجدار حيث توقف البابا كان ببساطة حاجزاً بين إسرائيل والضفة الغربية.  هذا ليس صحيحاً.  في الواقع هذا الجدار على وجه الخصوص الذي بني في عمق المناطق الفلسطينية يقسم مخيم عايدة من النصف ويحيط بقبر راحيل ويفصل المجتمعات الفلسطينية عن بعضها البعض لمصلحة اليهود حصرياً.

وكان لزيارة البابا في الأردن لحظات رئيسية تحبس الأنفاس. قاد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني شخصياً السيارة التي أقلت البابا إلى موقع المعمودية حيث التقى بأطفال من ذوي الإحتياجات الخاصة وكذلك ببعض اللاجئين من السوريين وغيرهم.  في كلمته أمام الحشد والصحفيين وكاميرات التلفزيون بدا البابا غاضباً إزاء استمرار أعمال العنف في سوريا. أشار تقرير من وكالة أسوشيتد برس أن بابا روما تحوّل عن ملاحظاته التي حضّرها ليشن هجوماً على تجار الأسلحة ضارعاً إلى الله “أن يرتد هؤلاء الذين يسعون إلى الحرب والذين يصنعون ويبيعون الأسلحة!” مؤكداً دعوته للسلام دون أن يستثني الذين تقع عليهم مسؤولية صناعة الحرب حسب اعتقاده.  “كلنا نريد السلام، ولكننا نرى دائما آثار دراما الحرب بين الناس الذين تركوا بلادهم، اسأل العالم Ù…ÙŽÙ† الذي يبيع السلاح لصناعة الحرب؟ إنها جذور الشر والكره والإرهاب والمال “.

المسؤولون الأردنيون والفلسطينيون كانوا سعداء جداً لأن الزيارة مضت دون أن تقع حادثة واحدة أو مشكلة ما. وكان مسؤولو الأمن قلقين إزاء إصرار هذا البابا المتواضع بعدم السفر في سيارة مغلقة بالزجاج ليتسنى له  تحية  ولمس المؤمنين. في الأردن جاء المسيحيون من لبنان بالإضافة إلى أولئك الموجودين في الأردن من سوريا والعراق لتضاف إلى الأردنيين والفلسطينيين.  في بيت لحم، سُمح للمسيحيين من قطاع غزة المشاركة في قداس ساحة كنيسة المهد، وجاء عدد كبير من المسيحيين من الجليل على الرغم من أنهم عبّروا عن خيبة أملهم من إلغاء الكرسي الرسولي الزيارة إلى الناصرة ومواقع هامة أخرى للحج فيها على الأراضي المقدسة.

في إسرائيل التقى البابا مع الرئيس شمعون بيريز ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.  السجال الذي دار بين البابا ورئيس الوزراء الإسرائيلي انعكس سلباً على الأخير الذي صرّح بأن المسيح كان هنا على هذه الأرض وكان يتحدث العبرية.   رد البابا وهو اليسوعي (مؤسسة معروفة بالاهتمام بالدراسة العالية) على الفور بالقول إن يسوع تكلم الآرامية مما فاجأ نتنياهو الذي أعقب “لكنه كان على دراية بالعبرية.” وكان البابا قد تجاوز في وقت سابق رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما دعا الرئيسين الفلسطيني والإسرائيلي إلى زيارة روما، على الرغم من أن الرئاسة الإسرائيلية هي رمزية.

بالإضافة إلى المكاسب السياسية والرمزية خلال زيارة البابا، فإن أحد أهم الأهداف لمثل هذه الزيارات هو تعزيز وتمكين المجتمع المسيحي المحلي.  الزيارات الرفيعة المستوى مثل زيارة البابا تقطع شوطا طويلا في تعزيز عزيمة المسيحيين العرب وإصرارهم على البقاء في الأرض التي ولد وعاش فيها يسوع.  كما قالت سيدة مسيحية أردنية، كانت تتابع الزيارة على التلفزيون، “كل مسيحي هاجر يجب أن يعود.” لا شك أن مثل هذه المشاعر تدغدغ آذان القيادة المسيحية التي عملت بجد على جعل زيارة البابا إلى الأراضي المقدسة نجاحاً باهراً.

 

* الكاتب صحفي فلسطيني مسيحي

 

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .