أكتوبر 23 2013

هل كنا ساذجين بأن وثقنا باستقلال السلطات في الأردن؟

نشرت بواسطة الساعة 10:32 ص تحت فئة مدونتي,اﻷردن -

بقلم داود كتّاب *

أعترف أنني فوجئت بقرار الحكومة الأردنية في الأول من حزيران بحجب حوالي 300 موقع إخباري. قد يكون مصدر المفاجأة الكلمات المطمئنة التي سمعتها من رئيس الوزراء قبلها بأسبوعين، بأن الأردن يحترم حرية الإعلام وملتزم بالاستراتيجية الإعلامية (التي ترفض الحجب وتصر على التنظيم الذاتي). وربّما فوجئت بعد استماعي إلى أقوال الوزيرة الإعلامية ريم علي وهي تؤكد من على منصة المعهد الدولي للصحافة بأن المخرج لإشكال المواقع يكمن في المشاركة في إيجاد الحلول لقانون غريب عجيب يطالب بترخيص المواقع الإخبارية، دون إيضاح من ينطبق عليهم القانون، وفي ظل شمول القانون للبعض دون الآخر.

وبعد التغلّب على المفاجأة الأولى جاءت مفاجأة تكررت ثماني مرات وهي عدد المواقع الإلكترونية التي قمنا بإنشائها لتوفير الاستمرارية لهؤلاء القلّة من الأردنيّين الذين يرغبون بمتابعة موقعنا في الأردن ولا يعرفون كيف يتجاوزون الحجب الإلكتروني.

وفي أثناء عملنا التقني والإعلامي لضمان وصول المعلومة للمواطن الأردني قرّرنا الذهاب الى القضاء. وفي البداية كنت متردداً. فقناعتي كانت أن القضاء الأردني لا يزال في عداد التبعية، خاصة إذا ما كان الموضوع متعلقاً بأمر سياسي اتخذه صاحب القرار في الدولة في ليلة غضب على مقال تهجمي في موقع ما أو تعليق مسّ قمّة الدولة أو من هم من الطبقة الحاكمة.

ولكن البعض حاول إقناعي بأن القضاء في 2013 ليس هو القضاء الأردني في القرن العشرين. وقد بذل الزميل المحامي محمد قطيشات الجهد المضني لإقناعي بأن محكمة العدل العليا والتي تحكم من خلال قضاة مارسوا عملهم القضائي لأكثر من خمسة وعشرين عاماً ستوفر أسس العدالة. واستمر الأستاذ قطيشات بمحاولة إقناعي باستقلاليّة القضاء عندما تقرّر فصل قضيتنا عن قضية مدوّنة حبر، الأمر الذي اعتبره محمد دليلاً على حرص إدارة القضاء على عدم تأثر هذه الهيئة بتلك. وزادت قناعة الأستاذ في فرص نجاحنا بعد أن تم تعيين رؤساء الهيئة التي ستستمع الى قضيتنا. وسمعت القصص عن حرص هذا القاضي أو ذاك، من الهيئتين، على احترام استقلالية القضاء، عندما كان وزيراً وأميناً عاماً لوزارة العدل. وكان يتباهى لدي بجملته المفضلة حول ضرورة معرفة المحامي لقاضيه قبل معرفته بقضيّته. وذهبنا للمحكمة بعد تأكّدنا من قوّة دفاعنا وبعد اطلاعنا على ضعف وأحيانا غياب أيّ ردّ مقنع لممثّل النيابة العامّة الإداريّة. وراقبنا لغة الجسد لدى القضاة وتفاعلهم مع مرافعات محامينا ونحن متأكّدون أننا سنلاقي رداً منصفاً وعادلاً ومعللاً في تأييد طلبنا بالدفع بعدم دستورية قرار الحجب، وبرفض التطبيق المخالف للإجراءات الأردنية.

وبدأت المفاجآت تنهال علينا. فهذا قرار برفض التحويل للمحكمة الدستورية بدون إبداء تعليل مقنع، ولكننا أقنعنا أنفسنا أنه ربما يريد القضاة معالجة القضية بنفسهم وإحلال العدل لنا، بسبب تعسّف دائرة حكوميّة ارتبط اسمها برقابة الكتب وبحجب المعرفة بدلاً من تشجيعها.

وثم جاء قرار ردّ دعوى مدوّنة حبر شكلاً لأنها كما قيل غير مشمولة بقرار الحجب، مع أنها فعلاً محجوبة وباعتراف ممثل الدولة. وبدأنا بالتخوّف من أن يجد قضاتنا حجّة شكليّة للتهرّب من مواجهة تعسف الحكومة ولعب دور جريء لوقف ذلك التعسّف وإنقاذ الحكومة الأردنية من نفسها. ومرّة أخرى أكد لنا المحامي أن قضيتنا لن تردّ شكلاً لأنه تأكد من اعتماده على قرار وليس إشعار وأنه قام بتوكيل قانوني وذكر أن التوكيل صحيح وخاص بالمحكمة العدل العليا (إحدى القضايا الأخرى تم ردها لأن التوكيل لم يحدد أنه توكيل للمحكمة العليا) وأن الرسوم مدفوعة ولذلك سيكون شبه مستحيل ردّنا شكلاً.

وصدق محامينا أن القضاء لم يرد قضيتنا شكلاً، إلا أنه خلافاً لتوقعاتنا كان الرد بعيداً عن الحجج المشمولة بالمرافعة حول عدم دستورية القانون والإجراء، وكون مدير المطبوعات تغوّل على السلطة القضائية معيّناً نفسه طرفاً وحكماً في آن واحد.

من بديهيات المرافعة في أية محكمة في العالم أن على المستدعي أن يقبل قرار المحكمة كان لصالحه أو معارض له. ونحن من موقعنا كأحد المستدعين باسم موقع عمان نت نقبل قرار المحكمة العليا الأردنية. ولكن قبولنا بالقرار لا يعني قبولنا بالواقع الذي نحن فيه والذي يتم من خلاله محاولة إعدام قطاع إعلامي هام ومؤثر.

لقد تعسّفت السلطة التنفيذية ورفضت التراجع رغم إعلان رئيس الوزراء أمام وفد دولي أنه صوّت ضد القانون وأنّه لا يزال مقتنعاً بموقفه. ولقد فشلت السلطة التشريعية بإحقاق الحق والإنتصار للمواقع رغم العرائض ومشاريع القوانين المعدلة التي بقيت في أدراج رئيس المجلس.

والآن بعد أن تخلّت السلطة القضائية عن دورها في دعم حرية الإعلام، فقد حظي الأردن بالانفراد بقانون لا مثيل له في العالم في كبح جزئي للفضاء الإلكتروني وللأردنيين.

إن إسدال الستارة على قناعتنا بأن أياً من السلطات الثلاث ستنتصر للحق والحرية لا يعني بأي شكل من الأشكال توقفنا عن الاحتجاج والمطالبة بتغيير هذا القانون التعسفي وإغلاق تلك الدائرة المناهضة للمعرفة والحريات الإعلاميّة. ولكن الإصرار على مقاومة الظلم لن يقلّل من قناعتنا بأن اعتمادنا على أمانة والتزام المشرّعين والقضاة في الدفاع عن الحريّات كانت سذاجة مبنية على توقّع الأفضل والتمسك بقشّة أمل أنه ربّما في الأردن من هم مستعدون للوقوف أمام تغوّل السلطة التنفيذيّة في قمعها للحريات بحجج قد ثبت مؤخراً، بعد اعتقال صاحب ورئيس تحرير موقع مرخص، أن الأمر لا علاقة له بتنظيم قطاع الإعلام الإلكتروني، بل المحاولة للسيطرة عليه وإخضاعه لرؤية واحدة وموحدة دون غيرها.

* الكاتب مؤسس موقع عمان نت الإلكتروني المحجوب من قبل دائرة المطبوعات الأردنية منذ الأول من حزيران.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .