أكتوبر 02 2013

الروس قادمون

بقلم داود كتّاب *

بعد فترة وجيزة من التصويت في البرلمان البريطاني بالمعارضة للهجوم على سوريا تعاملت صحيفة أميركية بقرار مجلس العموم بطريقة غير معتادة. في محاكاة ساخرة لصرخة الاستقلال عندما حذر الأميركان من قدوم العسكر التابعون للملكية البريطانية، نشرت يومية الديلي نيوز مانشيت في الصفحة الأولى مكررة فيه عبارة “البريطانيون غير قادمين” مرتين.

ففي حين أصبح من الواضح أن البريطانيين لن يأتوا لمساعدة أميركا في المسرح العسكري، تشهد الحركة السياسية العالمية وصول لاعب قديم/جديد.

يبدو أن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين نجحوا في تحقيق إنطلاقة كبيرة في الساحة السياسية الدولية. فالتعامل مع الملف السوري ومؤتمر ال G-20 والعلاقات الروسية الأميركية والاتفاق حول الاسلحة الكيمائية جميعها أضافت إلى أداء محنك. أظهرت روسيا انها تحترم حلفاءها وتستخدم جميع مصادر قوتها وامتيازاتها وتعرف كيف تترجم سلطاتها إلى إنجازات.

بدا الاتحاد الروسي، الذي استبدل الاتحاد السوفياتي القديم، لاعباً ضعيفاً في المشهد السياسي الدولي وشريكاً ضعيفاً بالمقارنة مع العمالقة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا أو الصين.

في الواقع، لم يتم قبول روسيا رسمياً في مجموعة الدول الصناعية الكبرى. لقد سمح لها بالحضور بصفة مراقب في اجتماع مجموعة ال G7 التي سميت في ما بعد بمجموعة ال G7+1، وأخيراً أصبحت عضواً بكامل العضوية في مجموعة ال G8 المعلنة حديثاً.

ليست روسيا، بالطبع، جديدة على الساحة السياسية الدولية والشرق أوسطية. ولكن في حين أحرز الصمود الروسي العديد من النقاط العالية في الأوساط العربية، فإن كثيرين يحذرون من الإنجراف وراء قوة الروس المكتشفة حديثاً في المحافل الدولية.

عام 2013 ليس مثل السبعينات أو الثمانينات، ولن نرى عالماً جديداً ثنائي القطب. قد تكون روسيا تعاملت بشكل جيد للغاية مع الملف السوري ولكن هذا لا يعني أن الروس سوف يستعرضون قوتهم في السياسة العالمية أكثر من اللازم على الرغم من أنهم على يقين أنهم سيتركون انطباعاً قوياً في المرة القادمة يلتقون بها مع الولايات المتحدة وغيرها من قادة العالم.

أجبرت الأزمة السورية، والتي لا تزال بعيدة عن الحل، جميع الأطراف الدولية أن تدرك عدداً من القضايا الهامة التي تم تجاهلها خلال فترة هيمنة الولايات المتحدة في العقد الماضي.

المبالغة في التحركات هي مسألة من الواضح أن المجتمع الدولي لا يرتاح لها، حتى (وفي واقع الأمر على وجه التحديد) وإن أتت من قوة عظمى مثل الولايات المتحدة.

محاولة القيام بأعمال عسكرية عدوانية من دون تفويض من الأمم المتحدة أو أية هيئة دولية أخرى ذات صلة لا يمكن التغاضي عنه في عالم اليوم.

إن استعراض العضلات العسكرية الأميركية لأسباب مشكوك فيها مثل “مصداقية أميركا” أو “معاقبة” بلد معين لم يعد يؤثر في أحد بعد الآن. وعلى الدول- حتى العظمى- أن يتوصلوا إلى تبرير ذي مصداقية عالية قبل الالتزام بتنفيذ أعمال العدوان ضد أي بلد مهما كان هذا البلد وقيادته مثيرين للإشمئزاز.

إتخاذ الأمم المتحدة ومجلس الأمن كأمر مسلم به قد تم وضعه أيضاً على المحك. عندما يتحدث المسؤولون الأميركيون عن روسيا أو الصين أنهم أخذوا “الشعب السوري رهينة” من خلال التهديد باستخدام حق النقض له صدى أجوف حين يتم فحص سجل التصويت الدولي لدول الأعضاء الخمسة.

فبينما نقض الاتحاد الروسي ستة قرارات فقط منذ عام 1991، استخدم الأميركيون حق النقض 79 مرة (40 منها يتعلق بقضايا الشرق الأوسط لصالح إسرائيل).

ومع ذلك فإن النجاح النسبي للاتحاد الروسي لا ينبغي أن يكون مبالغاً فيه. من الناحية العسكرية والسياسية والمالية وهي الناحية الأكثر أهمية، يتم تحجيم موسكو من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

صمود الروس والإبداع السياسي حسّنا صورة بلادهم في العالم عموماً وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد.  فبعد خسارة محرجة في ليبيا، انتفض الروس مرة أخرى وأجبروا الولايات المتحدة على إعادة التفكير في هيمنتها العالمية الراهنة.

إذا قدمت الأزمة السورية أي شيء للعالم فهو أن الشؤون الدولية هي لعبة جماعية تتطلب الأداء العالي ووحدة في الهدف من أجل تحقيق النتائج المرجوة.

يجب على أميركا وروسيا، وكذلك الدول الكبرى الأخرى أن يدركوا حجمهم وسلطتهم والعمل في انسجام تام بدلاً من المنافسة لحل مشاكل العالم والتي هي بكثرة.

* الكاتب صحفي فلسطيني مقيم في عمان والقدس

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .