مايو 27 2013

يحتاج الأردن إلى بذل جهود جديدة وجريئة في القدس

نشرت بواسطة الساعة 11:53 ص تحت فئة مقالاتي,اﻷردن -

بقلم داود كتاب

اذا كانت الحكومة الأردنية تحب ذلك أم لا، فإن الاتفاق الأردني الفلسطيني ورغبة الشعب فيما يتعلق بالقدس يتطلب إلقاء نظرة جديدة على الوضع في المدينة المقدسة.

منذ ستة وأربعين سنة احتلت اسرائيل القدس وبقية الضفة الغربية.  ومنذ ذلك الحين حصل الكثير حول المسألة القومية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وظهور الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.  ولكن في حين أنه من المقبول أن تقام الدولة الفلسطينية على الاراضي الفلسطينية (وليس في الأردن كما أراد الإسرائيليون اليمينيون في وقت ما)، فإن الوضع النهائي للقدس ظل في محل شك.  تصر إسرائيل بعبارات قاطعة أن مدينة القدس الموحدة ستظل جزءً من إسرائيل بينما يتحدث الفلسطينيون عن القدس الشرقية بكونها العاصمة، وبالتالي هي جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين المستقلة. 

منذ عام 1967، قامت إسرائيل بخطوة أحادية الجانب بضم وتوسيع القدس الشرقية، وهي خطوة لم تعترف بها أية دولة في العالم.  ومع ذلك، فقد عملت إسرائيل بجد من الناحية السياسية- ونجحت إلى حد ما- في عزل القدس الشرقية وسكانها الفلسطينيين عن علاقاتهم الطبيعية المادية والسياسية في رام الله وبيت لحم وجميع أنحاء فلسطين.  ولكن في حين أن إسرائيل قد أضعفت العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، إلا أنها لم تكن ناجحة بهذا المقدار في إيقاف الأردن عن لعب دور مباشر في القدس، فقد استمر دوره، لا سيما في البلدة القديمة وفي ما يتعلق بالأماكن المقدسة، وإن يكن على مستوى منخفض.  يتقاضى العاملون في الأوقاف في القدس رواتبهم مباشرة من الأردن ويواصل حراس الأوقاف حراسة كل البوابات المؤدية إلى المسجد الأقصى ما عدا بوابة واحدة.  تقف الشرطة الإسرائيلية أيضاً جنباً إلى جنب مع حراس  الأوقاف وتسيطر إسرائيل سيطرة كاملة على بوابة المغاربة التي هي أقرب بوابة إلى حائط المبكى.

عزز الأردن أيضاً وجوده السياسي في القدس عن طريق إدراج بند في معاهدة السلام مع إسرائيل الذي بموجبه تُعطى المملكة دوراً رئيسياً في أي قرار بشأن الوضع النهائي للمواقع المقدسة في القدس.

كما تلقى الأردن دفعة إضافية لشرعيته في الحديث عن القدس عندما وقّع جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً اتفاقاً يتم فيه الإعتراف بالوصاية التاريخية للهاشميين على المقدسات في المدينة.

من المهم أن نفهم هذه الخلفية عندما نراجع القرار غير المسبوق الذي صدر عن البرلمان الأردني يوم الأربعاء الماضي والذي دعا بالإجماع الحكومة إلى طرد السفير الإسرائيلي من عمان وسحب السفير الأردني من تل أبيب.  وجاء قرار النواب هذا بعد ورود أنباء أن إسرائيل سمحت لإسرائيليين يمينيين بزيارة المسجد الأقصى في الوقت الذي منع فيه الأمن الإسرائيلي الفلسطينيين من دخوله لمدة يومين. إن مخاوف الفلسطينيين بأن إسرائيل تحاول تغيير القواعد الأساسية الممتدة لعقود طويلة من الزمن على ثالث الحرمين في الإسلام كانت المصدر الرئيسي لقلق النواب الأردنيين. وتجري يومياً تظاهرات بالقرب من السفارة الإسرائيلية في عمان.

هذا الغضب الشعبي على الإجراءات الإسرائيلية يقتضي بأن تراجع القيادة الأردنية سياساتها في القدس. لم يعد يكفي تقديم تصريحات سياسية، فالأردن يحتاج إلى اعتماد نهج شامل لهذه القضية الأكثر حساسية من غيرها من القضايا.  فهو يحتاج إلى استخدام علاقاته السياسية مع كل من واشنطن وتل أبيب للعمل على تخفيف حدة هذه الأزمة السياسية والتوصل إلى اتفاقات قابلة للتطبيق من شأنها أن تبقي الراديكاليين بعيدين عن الاستفادة من هذا الوضع.  أشارت مصادر في القدس إلى أنه في أعقاب انتفاضة الأقصى لعام 2000 بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية سمحت إسرائيل بتحويل باب المغاربة الى بوابة عادية (بدلاً من الطوارئ) كمدخل للمسجد.  إن السياح والمتعصبين اليهود كذلك، يتجاوزون الأنظمة القائمة بشأن الدخول إلى المسجد باستخدام هذه البوابة. وهذا يحرم سلطة الأوقاف الإسلامية من القدرة على تنظيم دخول غير المصلين إلى المكان المقدس وكيفية لبسهم وتوقيت دخولهم ويحرمهم كذلك من الدخل الذي يدفعه السياح الذين يدخلون من جميع البوابات العادية.

إن إعادة إشراك الأردن في القدس سيحتاج أيضاً إلى محاولة إيجاد آلية لتمكين المقدسيين المحرومين من حقوقهم.  هناك ما يقارب 250 إلى 350 ألف يتيم فلسطيني سياسي يعيشون في كل مكان في القدس الشرقية إلا أنهم غير قادرين على ممارسة أي نشاط سياسي قومي.  وأية محاولة من جانب المقدسيين للتنظيم تعتبر عملاً عدائياً اًو محاولة إدخال السلطة الفلسطينية في القدس وهو ما تعارضه إسرائيل بقوة.  إذا كان بإمكان الأردن أن يدعم المقدسيين فإن هذا سيساعدهم على البقاء صامدين في مدينتهم لمدة طويلة من أجل محاربة محاولات إسرائيل المستمرة في التطهير العرقي الذي يصفه بعض الإسرائيليين بأنه “نقل بيروقراطي بطيء”.

كما ينبغي أن تشمل جهود الأردن محاولة للتعامل مع حرب الأبحاث والإعلام والعلاقات العامة التي يخسرها المسلمون والعرب بشكل بالغ، على الرغم من وجود العديد من الحقائق الى جانبهم. إن مسؤولي الأوقاف الأردنيين وكثيرين منهم في سن التقاعد وما فوق، هم غير قادرين على منافسة آلة العلاقات العامة الإسرائيلية؛ وتحويل ملف العلاقات العامة من وزارة الأوقاف إلى أية جهة أخرى فعالة هي عملية ضرورية لإظهار الجانب المسلم والعربي من هذه القضايا.  وبالمقارنة مع مئات من مؤسسات الفكر والرأي وجماعات اللوبي في إسرائيل والوكالات اليهودية الذين يعملون على مدار الساعة فإنه يجري سحق الجانب العربي في الحضور الأكاديمي والبحثي وفي وسائل الإعلام بشأن القضايا المتعلقة بالقدس.

إن علاقة الهاشميين بالقدس مهمة ومستمرة منذ عقود، وموقف الأردن السياسي الفريد من نوعه والتفويض الذي تلقاه من القيادة الفلسطينية، بالإضافة إلى الضغوط من شعبه، يتطلب منه أن يفعل شيئاً ذا أهمية في القدس. لم يعد بإمكان الأردن أن يتعامل مع التحديات التي تواجه القدس باستخدام الأساليب القديمة، لذا هناك حاجة إلى بذل جهود جديدة وجريئة.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .