يناير 24 2013

شكراً لقطر

* بقلم داود كتاب

كل من يتابع الأحاديث والمناقشات حول مجمل القضايا العربية سيسمع دون شك تكرار اسم الدولة الخليجية قطر في أشكال مختلفة، وغالباً ما تكون سلبية.  قطر هي وراء هذه المؤامرة أو تلك، بل هي دمية بيد الولايات المتحدة والعميل الإسرائيلي والعقل المدبر وراء هذه أو تلك المشكلة أو النزاع.  كثيراً ما يستخدم اسم قطر لشرح ما هو غير قابل للشرح في قضية أو مشكلة ما ولا يمكن للمرء أن يفسرها بسهولة أينما وجدت في العالم العربي وغالباً بنبرة غير إيجابية.

 أختلف مع هذا الرأي، فأنا معجب بما قامت به هذه الإمارة الخليجية الصغيرة منذ أن تولى الأمير الشيخ حمد بن آل ثاني الحكم بانقلاب غير دموي عندما كان والده غائباً في شهر حزيران/يونيو من عام 1995.  ومنذ ذلك الحين، أصبحت قطر اسماً شائعاً في العالم العربي وأبعد من ذلك بكثير.

إنني معجب بقطر لأنها حاولت أن تفعل شيئاً بالموارد المتوفرة لديها من أجل المنفعة العامة. ولكي أكون منصفاً، فإن للبلد وقيادته هدف واضح يؤول إلى رفع اسمه.  تحتوي جهودهم، في الغالب، على جانب من الأنانية، إذ لا بد لكل عمل أو نشاط تقريباً أن يحتوي على زاوية أو موقع قطري.  وهذا ليس معيباً إذ ينبغي على البلدان أن تضع مصلحتها أولاً.  ولكن ما قامت به قطر في العالم العربي يذهب إلى أبعد من هذه النظرة الضيقة بكثير.  صحيح أن القطريين محظوظون بوفرة المال الذي لديهم، إلا أن بلداناً أخر عديدة في المنطقة وخارجها محظوظون نفطياً ومالياً أيضاُ، ومع ذلك لم يستخدم أي بلد موارده من أجل المنفعة العامة أكثر من قطر.  وفي حين أنه من السهل أن تنتقد أو تجد مشكلة ما مع كل عمل يقوم به القطريون، فإنه لا يمكن للمرء أن يتجاهل أنهم يحاولون، على عكس الكثير من الذين يشكون فقط ولا يفعلون شيئاً.

في مجال الإعلام، عملت قطر أكثر من أي بلد آخر للنهوض بالإعلام الحر في العالم العربي. كسرت قناة الجزيرة كثيراً من المحرمات في العالم العربي وأدخلت مستوىً من الكفاءة المهنية التي أجبرت كثيرين في العالم العربي أن يحذوا حذوها. وأذكر أنه قبل أن تبدأ قناة الجزيرة بثها على الهواء لم يكن بإمكان المرء مشاهدة أية مقابلة على الهواء مباشرة على أية قناة عربية. فكان الحكام العرب لا يسمحون للتلفزيون الرسمي أن يخاطر في ما قد يقوله أحد الضيوف رغم انهم كانوا على ثقة من أن المحاورين لو تركوا لوحدهم لما كان هناك خروج عن النص المكتوب سلفاً.

حطمت الجزيرة هذا السلوك الذي يهدف إلى تقييد الأصوات الحرة حتى لا تكون مسموعة.  من المؤكد أن الجزيرة الآن قد أصبحت قناة مثيرة وفقدت بعضاً من مهنيتها إلا أن تأثيرها الذي كان في الصدارة لا يمكن إنكاره.  ويمكن تطبيق الشيء نفسه في مساهمة الجزيرة الدولية في مساعدتها لإيصال الأصوات والمواقف العربية إلى بقية العالم باللغة الإنجليزية.  لقد أصبحت الآن مصدراً للعالم بأسره لا يمكن الإستغناء عنه. لا يستطيع المال أن يشتري ذلك.  أنت تحتاج إلى نوع من القيادة التي يمكنها أن تعطي مساحة ​​لمهنيي وسائل الإعلام وإن لم تكن مساحة مطلقة. كما كانت قطر طموحة حتى في الشأن الرياضي وحقق حلمها نتائج مؤثرة.

ولكن لعلّ أكبر نجاح حققته دولة قطر ينبغي أن يُنظر إليه في المجالات السياسية والدبلوماسية. في حين أن هذا البلد الخليجي الصغير لديه أكبر قاعدة جوية أميركية، فإنه لم يتوانَ عن أن يتخذ مواقف صارمة في جميع أنحاء العالم العربي.  فقد كان مدافعا قوياً عن الربيع العربي وقاد المعركة من أجل تحرير ليبيا من القذافي ويعتبر لاعباً رئيسياً في دعم حقوق الشعب السوري. وفي لبنان، وفرت الدبلوماسية القطرية اتفاقاً جنّب البلاد من حرب أهلية أخرى.  وكان الجهاز الدبلوماسي القطري نشطاً في جامعة الدول العربية وفي السياسة العربية عموماً خلال السنوات الماضية ولاسيما هذه السنة لأنه تولى رئاسة جامعة الدول العربية بالتناوب.

وكانت سياسة قطر بشأن فلسطين تولد غضباً أو سروراً لمجموعات مختلفة وفي أوقات مختلفة على امتداد الخريطة الزمنية أيضاً.  ولكون دولة قطر مؤيدة للحقوق الفلسطينية منذ البداية، فقد حاول القطريون الحفاظ على علاقة جيدة مع جميع الأطراف سواء ضمن الأوساط الفلسطينية أو حتى مع الإسرائيليين، وبالطبع مع الولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين الدوليين المؤثرين.

قام حاكم قطر بزيارة تاريخية وغير مسبوقة إلى غزة.  وقد كانت هذه أول زيارة لرئيس دولة إلى غزة منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي ومنذ أن تولت حكومة حماس زمام الحكم من جديد. إن رحلته هذه هي دعم كبير لشعب غزة وسوف ينعكس ذلك بالتأكيد في السنوات القادمة على مشاريع البناء المختلفة.  ويقول البعض إن هذه الزيارة ما هي إلا دُفعة لحماس مقابل قرارها مغادرة دمشق في ضوء الثورة ضد الأسد.  قد يكون ذلك صحيحاً جزئياً، ولكن الجانب الأكثر أهمية بالنسبة لدولة قطر كان وما يزال متعلق في ما إذا استطاع أن ينجح في توحيد الفلسطينيين. وفي حديثه في الجامعة الإسلامية في غزة، دعا الأمير القطري الفلسطينيين إلى الوحدة وفي نفس الوقت ضغط عليهم بشأن الحاجة إلى موقف تفاوضي معقول مع إسرائيل.  وكثيراً ما ترددت هذه الدعوات للمصالحة من الكثيرين، ولكن عندما تصدر من قبل رئيس دولة عربية في غزة، فإن صداها يكون أكثر تأثيراً بكثير.

وبالتأكيد فإن قطر ومنذ عام 1995 طبعت بصمتها على خريطة المنطقة والعالم. إن تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين وإمكانية أن تحقق اختراقاً في موضوع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يعطي بالتأكيد هذا البلد الخليجي فرصة للحصول على جائزة نوبل للسلام.

*صحفي فلسطيني

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .