يناير 24 2013

هل سيقبل الفلسطينيون والأردنيون فكرة الكونفدرالية

مجلة ذي  أتلانتيك، 26 كانون الأول 2012

بقلم داود كتاب

في صيف عام ١٩٩٣، منحت سبقاً نادراً كصحفي فلسطيني مقابلة حصرية مع رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت اسحاق رابين، وتعد المقابلة الأولى من نوعها التي تُمنح لصحفي يعمل في  أكبر صحيفة فلسطينية (القدس).  في منتصف المقابلة التي استمرت لساعة كاملة سألت رابين عن رؤيته لمستقبل وضع الضفة الغربية وغزة النهائي خلال الخمسة عشر أو العشرين عاماً. رابين في ذلك الوقت (وكما اكتشفنا لاحقا) كان قد وافق على القناة الخلفية للمفاوضات في أوسلو أخذ نفساً من سيجارة أعطيت له من قبل أحد مساعديه وأجاب بأنه يتصور أن يكون وضع الضفة والقطاع جزءً من كيانٍ ما مع  الأردن. 

تذكرت هذه الإجابة بعد حوالي عشرين عاماُ من المقابلة وفي وقت أصبحت فيها اتفاقات أوسلو التي وقعها رابين في حديقة البيت الأبيض في أيلول ١٩٩٣ شبه ميتة من قبل كافة اللاعبين المشتركين  فيها.  ويوشك محمود عباس- الذي وقع مذكرات التفاهم مع إسرائيل نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الخريف- أن يغادر الحياة السياسية دون أن يكون هناك خليفة له أو للسلطة الفلسطينية التي أقيمت على أجزاء من الضفة الغربية منذ  تنفيذ الاتفاقية وقد دفع إخفاق هذه المقاربة البعض إلى اقتراح طرق للخروج من المأزق- وهو مأزق ناتج عن غياب الإرادة السياسية من قبل الرئيس باراك أوباما وفشل بقية العالم في إصلاح الوضع. ففي هذه الحيرة والمأزق السياسي يجد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نفسه مغازلاً المعادلة القديمة الجديدة وهي دور للمملكة الأردنية الهاشمية.

في اجتماع له بأعضاء من جمعية عيبال الخيرية في شهر تشرين الأول/أكتوبر وهي جمعية مؤلفة من أردنيين من أصل فلسطيني (من نابلس) الذين استضافهم طاهر المصري، رئيس مجلس الأعيان  أثار الأمير حسن بن طلال هذه المسألة.  وفي حديثه المسجل تلفزيونياً على موقع جوردان ديز تي في، أكد الأمير حسن أن الضفة الغربية هي جزء من المملكة الأردنية الهاشمية والتي تضم “ضفتي نهر  الأردن.” وقال “بأنه شخصياً لا يعارض حل الدولتين” غير أن هذا الحل ليس موائماً في المرحلة الراهنة.

كلام الأمير في التاسع من شهر تشرين الأول/أكتوبر لم يحظَ إلا باهتمام ضئيل حتى كرر الفكرة زعيم سابق من منظمة التحرير الفلسطينية ولكن بنبرة مختلفة. أحد مؤسسي حركة فتح فاروق القدومي منح صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن مقابلة اقترح فيها عودة الضفة الغربية للأردن كجزء من فيدرالية أو كونفدرالية. وحري بالذكر، أن القدومي الذي رفض اتفاقيات أوسلو ورفض أن تطأ قدماه أراضي مناطق السلطة الفلسطينية لا يتمتع إلا  بنفوذ قليل، وفي إحدى المرات قام باتهام الرئيس محمود عباس بأنه هو من وقف خلف تسميم الراحل ياسر عرفات. غير أن فكرة القدومي سرعان ما اعترض عليها ياسر عبدربه والتي وصفها بالفكرة الساذجة.

لكن في بداية الشهر الحالي نقلت صحيفة القدس العربي عن الرئيس عباس بأنه أخبر عدداً من قياديي منظمة التحرير بضرورة “الاستعداد لمشروع كونفدرالية جديد مع الأردن وأطراف أخرى من المجتمع الدولي” وأن مكتبه قد أصدر تقاريراً لتقييم “أفضل الاستراتيجيات لقيادة مفاوضات محتملة مع الأردن” لإحياء “فكرة الكونفدرالية”. ويقال بأنه طلب من مسؤوليي منظمة التحرير الفلسطينية أن يستعدوا لمتابعة هذه الاستراتيجية. وهذا التقرير- في حال تم التأكيد عليه من قبل مصادر رسمية- يمكنه أن يشكل لحظة فاصلة للحركة الوطنية الفلسطينية وأن يعبر عن  مصادقة لهذا المقترح الدائم من قبل أعلى المرجعيات.

 وجاءت رغبة الرئيس عباس في سبر غور الكونفدرالية مع الأردن في أعقاب قرار الأمم المتحدة باعتبار فلسطين دولة مراقب بأغلبية ١٣٨ مقابل ٩ أصوات. وقد منح النصر الواضح لرئيس عباس القوة السياسية لسبر غور خطوة إشكالية كهذه وكذلك منحه النصر الاعتراف الدولي بالسيادة التي يسمح للفلسطينيين بأن يدخلوا في علاقة كونفدرالية مع الأردن على قدم المساواة.

ولفكرة أن يلعب الأردن  دوراً أكبر في فلسطين جاذبية بالنسبة لأطراف متعددة.  فبالنسبة للإسرائيليين- الذين يزعمون أنه يمكن أن يعيد الفلسطينيون مشكلة صواريخ غزة في حال انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية- فإن فكرة دور أمني أردني في الضفة الغربية يمكنه أن يبدد قلقهم الأمني.  فدور أردني علني في فلسطين سيكون مقبولاً من قبل إسرائيل لأن الهاشميين يتمتعون باحترام قوي من قبل  الإسرائيليين. كما أن الطرف الأميركي سيجد هذه الفكرة أسهل للتعامل في حال عودة المفاوضات. وأيضاً الفلسطينيون غير الراضين عن المنظمة وعن فشلها في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي سيرحبون بأية عملية يمكنها أن تنهي الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية — حتى لو كان هذا يعني أن يحل بدل الاحتلال بشكل مؤقت طرف عربي سواء كان الأردن أو أي عضو آخر في الجامعة العربية.

والاقتراح أن يعود الأردن الى  دور مباشر الذي يمكن أن يحتوي على سيطرة سيادية (وبالتالي مسؤولية) في الضفة الغربية هو اقتراح محفوف بالمخاطرة بالنسبة لغالبية الفلسطينيين والأهم من ذلك بالنسبة  للأردنيين. فالفلسطينيون سيعتبرونه تعدياً على استقلاهم فيما سيرى الأردنيون فيه عبأ من شأنه أن يضعف محاولاتهم ببناء أردن جديد يحتوي على شرق أردنيين وأقل ما يمكن من المواطنين من أصل فلسطيني. فصفقة كهذه ستفضي بكل تأكيد الى أغلبية فلسطينية في نظام فيدرالي وتترجم السيناريو الذي يدفع به اليمين الإسرائيلي وهو ان يكون الأردن هو فلسطين.

غير أن كونفدرالية أردنية فلسطينية هي موضوع آخر. فالكونفدراليات هي أنظمة سياسية تضم دولتين مستقلتين. ولبعض الوقت في الثمانينيات كان هذا هو المصطلح الأكثر شيوعاً في المنقطة. وقد تم اقتباس الراحل صلاح خلف الملقب بأبي إياد والذي كان يشغل رئيس استخبارات منظمة التحرير وهو يقول بأن كل ما يحتاجه الفلسطينيون هو خمس دقائق من الاستقلال وبعدها سيوافقون بسعادة على كونفدرالية مع  الأردن. غير أن الوضع أصبح مسموماً عندما قال الراحل الملك حسين علناً بأنه لا يريد أن يذكر أي شخص كلمة كونفدرالية وهو ما حصل لعقدين.

غير أن الملك عبدالله الثاني المتزوج من فلسطينية الأصل لا يمتلك مثل هذه الحساسية ولم يعد الفلسطينيون عندهم قلق حيال الملك أو حيال أطماع أردنية في الأرض الفلسطينية.  فمنذ عام ١٩٨٨ أعلن الأردن الذي سيطر على الضفة الغربية الى أن فقدت في عام ١٩٦٧ عن أن وحدة الضفتين في بداية الخمسينات لم تعد قائمة. فبعد أن اندلعت الانتفاضة بوقت قصير أعلن الملك حسين عن توقف دوره في الضفة الغربية، وهذا التوقف الذي ما زال ينتظر تفويضاً دستورياً كان تم رفضه من قبل حركة الاخوان المسلمين- الجماعة الأكبر والأكثر تنظيماً في الأردن.

لم يتضح بعد في ما إذا كانت الفكرة التي اقترحها الأمير حسن وفاروق القدومي ويؤيدها بشكل سري،  على ما يبدو، المبعثون الأميركيون للمنطقة، ستكون جذابة، وأيضاً ليس واضحاً في ما اذا كانت كلمات الراحل رابين زعيم حزب العمل والتي نشرتُها في صحيفة “القدس”  المقدسية في ذلك الوقت ما زالت مناسبة في الدوائر الحكومية الإسرائيلية برئاسة الليكودي بنيامين نتنياهو والتي على الأرجح ستستمر بعد الانتخابات في الشهر المقبل. المفارقة أن الانتخابات النيابية الأردنية والتي يقاطعها حزب جبهة العمل الإسلامي التابع لحركة الاخوان المسلمين ستجري في اليوم الذي يلي الإنتخابات الإسرائيلية.

فبينما من غير الواضح اذا كان الأردن سينتهي الى ممارسة دور سيادي في الضفة الغربية أم لا، فإن التأييد لدور أردني أكبر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيزداد بكل تأكيد في الأشهر والسنوات القادمة في حال استمر التراجع الحالي للمنظمة والسلطة الفلسطينية.  والعامل المقرر في كل هذه النقاشات يجب ان يأتي من قبل الجانب الإسرائيلي الذي ما زال عليه أن يقرر في ما إذا كان يرغب بالتخلي عن السيادة في الأراضي المحتلة منذ عام ١٩٦٧ لطرف عربي سواء أكان هذا الطرف فلسطينياً أم أردنياً.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .