أغسطس 22 2012

أيتام القدس الثلاثماية وستون ألفاً (360000 )

بقلم داود كتاب

يعيش فلسطينييو القدس أسوأ أوقاتهم هذه الأيام.   فسكان القدس الشرقية الثلاثماية وستون ألفاً (360000) هم أيتام سياسياً بسبب استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وغموض مستقبل القدس. لا يسمح لهم أن يكونوا جزءً من السلطة الفلسطينية ولا أن يمتلكوا جواز سفر أو أن يستمتعوا بحكم لهم حسب اختيارهم.  فهم ليسوا مواطنين إسرائيليين إذ أن إسرائيل تمنح الإقامة الدائمة للفلسطينيين الذين كانوا في القدس عندما احتل الجيش الإسرائيلي المدينة المقدسة وضمها بشكل أحادي الجانب لدولة اسرائيل.  وبالرغم من أنه لم تعترف أية دولة في العالم بهذا الضم، فإنه لم ينجح الفلسطينيينون في التكوين والمحافظة على المؤسسات المحلية الخاصة بهم بسبب السياسة الاقصائية الإسرائيلية ومحاولاتها في تهويد القدس.

ورغم الوعود الإسرائيلية والتزامات الولايات المتحدة، منذ اتفاقات أوسلو (باحترام المؤسسات الموجودة والسماح لها الاستمرار بالعمل)، فإنه قد تم عزل المدينة ورفض أي مجال لكي تحكم وتدير شؤونها المحلية.   فقد تم إغلاق بيت الشرق الذي كان بحكم الواقع نقطة مرجعية فلسطينية وذلك بأوامر من الإسرائيليين الذين استخدموا قوانين الطوارئ لإبقائها مغلقة.  وتم بالمثل إغلاق غرفة التجارة حارمين بذلك التجار الفلسطينيين من أي تنظيم مؤسساتي. إن الشرطة الإسرائيلية توقف بسرعة أي حدث تفوح منه رائحة القومية الفلسطينية.  فقد تم رفض محاولة للاحتفال بنجاح بطل كرة القدم  بدعوى أن السلطة الفلسطينية كانت سراً وراء هذه الاحتفالات.

إن المؤسسة الوحيدة التي استمرت بصعوبة طيلة عقود من الاحتلال في المدينة المقدسة هي شركة كهرباء القدس، وهذه الشركة الخاصة التي ظلت تعمل على أساس امتياز تملكها البلديات المحلية من مناطق بيت لحم ورام الله وبلدية القدس الشرقية.  وبطبيعة الحال، فقد استولت البلدية الإسرائيلية على المقاعد المخصصة لبلدية القدس.  والمعروف أن سكان القدس قاطعوا انتخاباتها منذ ذلك الوقت بسبب القرار الإسرائيلي بتوحيد القدس الشرقية والغربية ضد إرادة السكان المحليين والمجتمع الدولي.

وعلى مر السنين فقدت هذه الشركة الوطنية قدرتها على إنتاج الطاقة وأصبحت شركة إعادة توزيع للكهرباء وجباية للفواتير. والآن، فإن الشركة الإسرائيلية التي تزودها بالكهرباء تهددها بالاستلاء على ممتلكاتها وحساباتها البنكية بسبب ديونها المتزايدة.  يبلغ دين شركة القدس حوالي 100 مليون دولار.  يكمن جزء من المشكلة في أن الفلسطينيين وخصوصاً الذين يعيشون في المخيمات قد توقفوا عن دفع فاتورة الكهرباء (وكذلك فواتير المياه والضرائب) عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية.  طلبت شركة الكهرباء من السلطة الفلسطينية مساعدتها في تحصيل الفواتير أو تسديد فواتير مخيمات اللاجئين ولكن دون نتيجة.

لا تقتصر مشاكل مدينة القدس على أزمة شركة الكهرباء الحالية.  إن المشكلة الأكبر التي يشكو منها “أيتام” المدينة باستمرار هي عدم وجود أية آلية لحل المشاكل بين سكان المدينة أنفسهم.  فالجريمة المحلية لا يتم حلها مما يؤدي إلى خلق نظام أمني مواز الذي يفضل بشكل عام الأسر الكبيرة وأولئك الذين لديهم القدرة على استئجار البلطجيين لحمايتهم.

يفضل الفلسطينيون عدم الذهاب الى القضاء الاسرائيلي للشكوى ضد بعضهم البعض، إلا أنهم أدخلوا، خلال الانتفاضة، فكرة التحكيم المحلي.  ولكن هذه الآلية المحلية أصبحت الآن فاسدة.  إن التحكيم ينفع جيداً عندما يثق الناس بقراراته ويلتزمون بها. ما حدث هو أن الجريمة المنظمة في القدس قد جعلت التحكيم وسيلة مثالية لانتزاع كميات كبيرة من الأموال من الأفراد الضعفاء وذلك بأن يقترحوا عليهم محكم ممن يبدو من أصحاب السمعة ومن ثمّ الضغط على المحكمين لعمل تسويات يحصلون من خلالها على نسبة مئوية كبيرة.  إن السلطة الفلسطينية غير قادرة على التدخل والإسرائيليون قلّ ما يهتمون لوقف هذا التيار من الجريمة المنظمة وقطاع الطرق.  يبدو أن بعضاً ممن يسموا بالقوميين يتعاونون سراً ويستفيدون من هذه البلطجة.  والنتيجة هي تآكل خطير للتماسك المحلي والتعاون الوطني.

بينما القادة الوطنيون الفلسطينيون يستمرون في تكرار التأكيد على أهمية القدس في النضال الوطني، فإنه من المحتمل جداً أنه لو تم التوصل الى اتفاق على المستوى السياسي، فإن الفلسطينيين سوف يكتشفون أن المدينة التي كانوا قد أعلنوا أنها عاصمتهم ما هي إلا مدينة مفرغة يديرها بلطجيون ومجرمون.

  • الكاتب صحفي فلسطيني من القدس

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .