أغسطس 16 2012

ثلاثة بلدان .. زفافان وزوج وزوجة

نشرت بواسطة الساعة 11:02 ص تحت فئة مدونتي,شخصي -

بقلم داود كتاب

هذا الأسبوع، عبرت أفراد العائلة والأصدقاء الحدود الدولية ونقاط التفتيش العسكرية، وتغلبوا على البيروقراطية السياسية العادية لحضور حفلي زفاف ابنتي. لماذا حفلين؟ اسمحوا لي أن أجيب.

إن ابنتي تمارا هي مقدسية مثلي  أما العريس علاء فيعيش في بلدة بيت لحم من منطقة بيت جالا.  من المفترض أن يستغرق التنقل بين هذه البلدات المجاورة بضع دقائق، لكنها تبعد على أرض الواقع  كيلومترات طويلة نتيجة الوضع السياسي والعسكري القائم منذ 45 عاماً والناجم عن احتلال اسرائيل لأراض عربية.

وما يزيد الحالة تعقيداً القرار الإسرائيلي أحادي الجانب بضم القدس.  لذلك، ووفقا للقانون الإسرائيلي (الذي لا تعترف به ولا دولة واحدة بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية) فإن القدس تعتبر جزءً من إسرائيل، وبالتالي فهي تحت الحكم المدني الإسرائيلي، وبيت جالا هي أرض محتلة، والمدينتان مفصولتان بجدران ونقاط تفتيش.  وعلاوة على ذلك، فإن إسرائيل تمنح الفلسطينيين إقامة في القدس، ولكنها لا تمنحنهم الجنسية.  وهكذا، فإنه يمكن للمرء أن يتقدم بطلب للحصول على الجنسية، إلا أن الحصول عليها غير مضمون، وإذا ما حصل عليها أحد، فإن هذا يزيد الحياة تعقيداً (كما اكتشف ذلك آلاف من سكان القدس الشرقية) لأن الأردن يعطي جواز سفر أردني مؤقت للمقدسيين الذين لا جنسية لديهم ولا يسمح لهم بالدخول إذا حصل أحدهم على الجنسية الإسرائيلية لكونه مقدسياً شرقياً.

يتم توثيق الإقامة الإسرائيلية من خلال الهوية الإسرائيلية الزرقاء التي يحصل عليها المقدسيون عند بلوغهم السادسة عشرة من عمرهم.  هذه الهوية تسمح للمقدسيين السفر من والى القدس وإلى إسرائيل.  ومع ذلك، فإن هذه الهوية الإسرائيلية صالحة فقط طالما يعيش المرء في القدس.  وإذا ما ترك القدس لفترة طويلة، فإنه يفقد الحق في العيش فيها أو حتى في زيارتها، ويعامل كسائح، ويحق للإسرائيليين أن يتحكموا في الأماكن التي يستطيع زيارتها.  وهذا يقودني إلى موضوع عبور الحدود الدولية.

كما هي العادة في أي حفل زفاف، فإن الضيوف يأتون من أماكن قريبة وبعيدة.   تمكن الزوار الآتون من الولايات المتحدة الأميركية من دخول البلاد، ولكن بعد استجواب قاس وغير ضروري على الحدود.  في مطار بن غوريون، كان على شقيقتي وزوجها من طائفة المانونايت تقديم تفسير لماذا يحمل ابنهما اسم “جميل” وهو اسم عربي.  وتم احتجاز شقيقي لمدة أربع ساعات، واتهم بالكذب  لانه قال للإسرائيليين بصدق أنه ولد في ولاية نيو جيرسي.

 في حين تم تأخير ومضايقة بعض أفراد العائلة، ولكنهم أخيراً تمكنوا من العبور.  واستطاعت مجموعة أخرى منهم ومن الأصدقاء الذين يعيشون في الأردن التملص من الاستجواب على الحدود.  هذا بالإضافة إلى أن مجموعة أشخاص من الكنيسة مؤلفة من 28 أردنياً، تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرة جماعية للدخول إلى الأراضي المقدسة.  تجري الوكالة السياحية مثل هذه الزيارات بصورة منتظمة وأصرت على أن يتم تقديم طلبات التأشيرة قبل شهر من موعد السفر.  وهكذا  فعلوا.  ولكن قبل يوم واحد من الزفاف (أي بعد يومين من الموعد المقرر للسفر) جاء رد وزارة الداخلية الإسرائيلية بالسماح فقط  ل18  شخصاُ من أصل 28 بالزيارة.   من بين الذين تم رفضهم راعي كنيسة الاتحاد المسيحي الإنجيلية في عمان وزوجته (اللذان زارا الضفة الغربية عدة مرات) ورجل أردني في السبعين من عمره وامرأة متقاعدة واثنين من بنات أخوتها.  ومن هؤلاء ال 18 فإن عشرة منهم فقط قرروا أن يقوموا بالرحلة، وامتنع الباقون عن السفر من دون الزوج أو دون أفراد العائلة الذين تم رفضهم بشكل تعسفي.

ولكن لماذا زفافان؟ تعمل ابنتنا تمارا في القدس، وتستخدم سيارة تحمل لوحة صفراء إسرائيلية (ولكي أكون دقيقاً فإن هذه السيارة هي سيارتي). تستطيع تمارا أن تقودها بين القدس وبيت جالا دون مشكلة بينما لا يسمح لعلاء، الذي يعيش في بيت جالا، بالسفر إلى أو الإقامة في القدس دون تصريح.  كما لا يسمح له بقضاء ليلة في القدس أو بقيادة السيارة ما لم يحصل على تصريح خاص. والحصول على هذه التصاريح هي عملية شبه مستحيلة إذا كان المرء غير مقيم في القدس.

إن التقدم بطلب لمّ شمل الأسرة حتى يتمكن من السفر والبقاء في القدس وإسرائيل هو أمر معقد للغاية. وهذه العملية التي كانت تحتاج سابقا إلى سنوات قليلة تأخذ الآن أكثر من 10 أعوام والحصول على التصريح غير مضمون.  ومن أجل البدء في عملية إحضار أحد الزوجين للعيش (وقيادة السيارة)  في القدس، يحتاج المرء إلى إثبات أن القدس و/ أو إسرائيل هي مركز حياته.

يشجع المحامون بشدة الأزواج توثيق ارتباطهم بالقدس، والزواج في القدس هو أحد هذه التوثيقات.  ولكن بالنظر إلى أن علاء وأفراد عائلته وأصدقاءه يعيشون في بيت جالا فمن المحتمل أن يحدث ذلك بعض المشكلات، إذ في حين أنه من الممكن الحصول على إذن لبعض أفراد الأسرة لحضور عرس في القدس، فإنه من الصعب جدا الحصول على تصاريح للجميع ومن هنا جاءت فكرة إقامة زفافين، واحد تلو الآخر، يكون الأول في الرابعة من بعد الظهر في بيت جالا يتبعه حفل زفاف آخر في الساعة 6:30  مساء في القدس ومن ثم العودة إلى بيت لحم من أجل حفل الاستقبال.

إن تنفيذ مثل هذا الكابوس اللوجستي يكون ممكناً فقط مع منتج أفلام يستطيع أن يلعب بأربع تفاحات في الهواء في نفس الوقت.  ولحسن الحظ، فإن ابني بشارة كان قادراً على ان يقوم بمثل هذا العمل الفذ.  بالنسبة للعريس والإشبين وأفراد العائلة المقربين فقد تم استخدام تصاريح دعوة الزفاف التي استلمت من الإدارة المدنية الإسرائيلية في عتصيون.

لم يكن السفر من بيت جالا إلى القدس أمرا سهلا.  كان على حاملي التصاريح بما في ذلك العريس وعائلته استخدام الطريق عبر نقطة التفتيش عند قبر راحيل (وهي أطول).   والآخرون ممن يحملون جوازات سفر أجنبية أو هوية القدس (بما في ذلك المجموعة الأردنية) يمكنهم استخدام الطريق عبر نقطة التفتيش عند النفق وهي أسرع بكثير (وكثيرا ما تُستخدم من قبل المستوطنين).  لقد كنت في الحافلة التي اتخذت طريق النفق ولكن تم إيقافنا أيضاً وصعد جندي إلى الحافلة وتحقق من هوية كل مسافر.  أخذ الجندي الشاب وقته وتوقف مستجوباً امرأة من أقاربي حسنة المظهر.  عندما تدخلنا مع الضابط المسؤول عنه والذي جاء ليسأل عن سبب التأخير أجاب الجندي باللغة العبرية مستخدماً كلمة mazgan   وتعني تكييف الهواء.

يبدو أن الجندي الواقف في حرارة النهار يفضل البرودة داخل الحافلة المكيفة عن الحرارة الشديدة في الخارج.  وبما أننا تأخرنا كان علينا معرفة ما هي أفضل (وأرخص وسيلة للتواصل)؛ كان لدى الجميع هاتف خليوي ولكن الهواتف الفلسطينية المحمولة التابعة لشركتي جوال والوطنية لا تعمل في القدس وبعض شركات الخليوي الإسرائيلية ليست لديها عقود مع الشركات الفلسطينية.

ولحسن الحظ، فإن رئيس خدماتنا اللوجستية كان لديه كارتان للخلوي (SIM Card)، واحد مع جوال والثاني مع أورنج ونجحنا في التواصل مع بعضنا بشأن التأخير عند نقطة التفتيش وتمكنا من الوصول إلى كنيسة الناصري في شارع نابلس عند الساعة 6:45.  كما أن العريس الذي جاء مع أحد الأصدقاء وكانا ينتظران على الجانب الآخر من نقطة التفتيش وصل في نفس الوقت تقريباً . وكانت العروس في سيارة مكيفة لأحد أصدقائها المقدسيين تدور حول الكنيسة حتى وصل العريس ووصلت حافلتنا وجرى حفل زفاف ثان، ثم عدنا إلى حيث سيجري حفل الاستقبال الذي استمر حتى بعد منتصف الليل.

بعد زفافين وعشرات من نقاط تفتيش وشد الأعصاب والصعوبات، قرر العروسان قضاء شهر العسل في تايلاند.  وبما أنه غير مسموح للعريس استخدام مطار بن غوريون، فهذا يعني نقطة عبور صعبة أخرى سينبغي تجاوزها وهي جسر الملك حسين.

لا تعليقات حاليا

خدمة Rss التعليقات

أرسل تعليق

يجب عليك الدخول لإرسال تعليق .